“بدأت أبكى ، ثم شعرت بالخوف لأنى لم أبكِ أبداً .. فى طفولتى كنت أبكى متعمداً ، و كانت أمى ترى الكذب من خلال دموعى فتعاقبنى ، توقفت بعدها عن البكاء . لكننى كنت أشعر أحياناً بصوت البكاء فى أعماقى و كان صداه يصلنى و يضربنى دون تحذير .. إن طفلاً يبكى بشكل مكبوح يبقى سجيناً إلى الأبد .”
“فى هذه اللحظة التى أبكى فيها بدل الدموع دماً .. أين أنتِ ؟ ... أين أراضيكِ ؟ هل تجلسين الأن فى غرفة المعيشة " تضعين يدكِ خلف ظهرك و تشتكين من آلام بطنك المتكورة , وتقولين لزوجك - الذى يلعب دورى لظروف إنتاجية لا علاقة لى بها - :- " شايف ابنك الشقى بيعمل إيه ؟ !"أم أنكِ تعانين الأن من مشاكل المرأة العاملة .. تسرعين فى الصباح إلى عملك لاعنة زحمة المواصلات وقرف الوظيفة .. تركبين عربيتك النصف عمر دون شعبطة فى الأوتوبيس , كنتِ ستنالينها معى مثلما كنتِ تقولين ساخرة حين كنا نحب بعضنا بقوة ؟أم أنكِ عدتِ تواً من مكتب البوسطة بعد أن أرسلتِ الجواب العاشر خلال شهر لزوجك - المقيم فى الإمارات ربما - تُذكرينه بأن يعود لكِ فى الإجازة القادمة بالمروحة الليزر و الكاسيت أو سى دى و الفيديو " ملطى سيستم "... أم .... هل خانك التوفيق فى تجربتك الأولى .. هل تجلسين الأن فى غرفتك الضيقة فى بيت أهلك " مفكوكة الكتاب مخسوفة الجواب " .. تخرجين من كرتونة تحت الدولاب رسائلى القديمة و قصائدى التى كنت أتصورها شعراً ذا مستوى .. و تقولين لنفسك بأسى :- " خلاص راح ولن يعود مهما استرحمت دقات قلبى .. فأنا الذى بدأ الملامة و الصدود .. و لن يعود .. "وحياتك سأعود زاحفاً و باكياً و مُقبِّلاً الأرض لو أردتِ .. فأنا من بنى بجم الذين لا يعتبرون ولا يتعظون ولا يكادون يفقهون حديثاً , لست أدرى أين أنتِ الأن بالذات فى هذه اللحظة التى أبكى فيها بدل الدموع دماً ؟ لكننى أدرى ومتأكد تماماً أنكِ لا تبكين أبداً , لو كنتِ تعرفين البكاء لكنتِ إلى جوارى الأن .”
“و قد كانت البنات قبل أن تولدى أنت , و أولد أنا .. يعشن وراء المشربيات .. و لكن هذه المشربيات لم تحمهن من الخطيئة .. و لم تهذب عواطفهن .. كن ينظرن من خلال ثقوب المشربية و يلوحن لأى عابر سبيل .. و لما عجز المجتمع عن حمايتهن , وجد أن الحل الوحيد هو القضاء على المشربيات , و منح البنات حق النظر من خلال الشبابيك .. ثم حق الوقوف فى الشرفات .. ثم حق الخروج إلى الشارع .. و فى كل خطوة من هذه الخطوات , كانت الأخطاء تقل و العاطفة تترقى و تتهذب .. و السعادة تدخل البيوت”
“فقال المقدس: أتعلم يا حنين أن مخلصنا غسل قدم يهوذا فى ليلة العشاء الأخير؟رد حنين ما بين السخرية و الألم: كنت نسيت و اشكر الرب أنك علمتنىفانتصب بشاى واقفاً و نظر للسماء متأوهاً بصوت عالٍ و كأنه يحتج على كل ما فى العالم من ظلم ثم قال: و لكنه خان بعدها يا حنين... لكنه خان”
“مشت بجانبي بطيئة على غير عادتها ، و لم نكد نتحرك خطوات حتى توقفت و قالت بصوت حازم : اسمع .. لا أريد أن اراك بعد اليوم .. سامحني و لكن يحسن أن لا نلتقي .. أظن أني احببتك و انا لا اريد ذلك .. لا اريده بعد كل ما رأيته فى هذه الدنيا .و كنت أعرف ما رأته فى هذه الدنيا .. فسكت لحظة .. و قلت : كما تشائين .و راقبتها و هي تبتعد عني بخطوات مسرعة .و لكن تلك لم تكن هي البداية .. فى البدء كان كل شئ يختلف ..!! ”
“لآ لن أبكى يا محبوبى مهما كان الجرح الغائر فى وجدانىلآ لن أبكى ..إنى أعمق من أحزانى”