“أشار سولومون إلى صبي صغير أحمر الشعر الجالس في الوسطقال الصبي وقد بدا عليه الارتباك: سيد سولومون؟ قلت أن أسلافنا هربوا من القمع الديني في أوروبا لتأسيس بلاد على مبادئ التقدم العلمي- هذا صحيحولكن كنت أظن أن آبائنا رجال متدينون أسسوا أميركا كأمة مسيحيةابتسم سولومون وأجاب- يا أصدقائي لا تخطئوا فهمي. كان أسلافنا رجالا متدينين جدا ولكنهم كانوا ربوبيين أي أنهم يؤمنون بالله ولكن على نحو كوني ومنفتح. والمثال الديني الوحيد الذي وضعوه نصب اعينهم كان الحرية الدينية.نزع الميكرفون عن المنبر ومشى به إلى طرف المسرح- كان لدى أسلاف أميركا رؤية عن مدينة فاضلة مستنيرة روحيا تحل فيها حرية التفكير وتعليم العامة والتقدم العلمي محل ظلام المعتقدات الدينية القديمة غير الصحيحة.”
“إن تيار التغريب الذي يدعو لإصلاح الحال على منهج الغرب ، راح يحاول تقليد أوروبا في كل شيء ، فانزلقت قدمه في الفساد قبل أن يحاول تثبيتها بالتقدم العلمي والتقدم المادي! ومن هنا سار التقدم العلمي والمادي بطيئاً متعثر الخطوات، لاكما يرجوه المخلصون ،ولاكما كان يمكن أن يحدث لو أن الأمة تجمعت بعزمها كله لإحراز ذلك التقدم، دون الانغماس في الفساد الخلقي الذي يصرف عن جديات الأمور، كما فعلت اليابان حين قررت أن تنهض، فأخذت علم الغرب كله ثم تفوقت عليه في بعض الأمور دون أن تغير تقاليدها ولاعقائدها،وهي عقائد وثنية جاهلية، وقد كان "المسلمون" أولى بذلك لولا التخلف العقدي والخواء الروحي الذي كانوا غارقين فيه.”
“إن التوجيه الديني الذي تضطلع به القيادات الدينية ولا سيما أولئك الذين يتحركون كموظفين لدى هذه الجهة السياسية أو تلكلا يحاول أن يربط الناس بالعقلسواء في فهمهم للقضايا واتخاذهم للمواقفأو في تحديدهم لخط السير والحركةما نجده ـ في الغالب من الخطاب الديني والمذهبي ـانه يتحرك في السطح لا في العمقوالشكل لا المضمونوهذا ما يؤدي إلى أن تعتاد الجماهير على هذا النمطحتى يصبح منهجاً متّبعاً في كل شؤونهاوإذا كان هذا شأن الخطابين الديني والمذهبي،فإن غالب الخطاب السياسي ـ في عالمنا ـ لا يتحرك بعيدا عن السطحية والشكلية والاستخفاف بعقول الناسحتى أدمن الناس هذا الخطابفرجموا الذين يتحركون في العمق، ويخاطبون عقول الناس لا غرائزهمباللاواقعية، أو بالخيانة، أو ما إلى ذلكوأخطر ما في الأمرأن بعض الجهات التي تبوّأت مواقع التوجيه الديني أو السياسيوالتي لا تملك كفاءتهاتعمل على استغلال إخلاص الجماهير للعناوين والقضايا الكبرىلإبقائها ـ أي الجماهير ـ في السطحوذلك لأن الجماهير إذا تحرّكت في العمق، واكتشفت مواقع الخلل لدى هذه الجهاتسحبت اعترافها بشرعيّتها وقداستها”
“كان مما أضعف الخطاب السلفي المعاصر، أن المشروع العلمي الكتابي للصحوة كان أكثره قائماً على ثقافة الردود الوقتية غير المؤصلة وليس على البناء العلمي”
“في تحلیله العلمي الرصین، الذي حاول فيه الابتعاد عن التأثیرات السیاسیة لتشخیص المثلیة، یقول بایر1981 ) "لم تكن ھذه التغییرات نابعة من استیعاب الحقائق العلمیة التي یملیها المنطق، وإنما على العكس )كان هذا العمل مدفوعاً بما كان یمليه المزاج الأیدولوجي العام في تلك الحقبة من التاریخ". كان بایر بهذاالكلام یعلق على قرار الجمعیة الأمریكیة للطب النفسي برفع المثلیة من الدلیل التشخیصي والإحصائيللأمراض النفسیة الذي بدوره أحبط البحث العلمي في الأسباب النفسیة للمثلیة وجعل البحث العلمي فيالجنسیة المثلیة قاصراً، كما قلنا، على الأبحاث الوراثیة التي تحاول التأكید على أن المثلیة مجرد صفةوراثیة.”
“على مستوى رجال الثورة كان الانفصال شماتة كبيرة في جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر - أما على المستوى الشعبي فقد بدأت الناس تتململ وتسأل : لماذا حدث هذا؟ ومن المسئول؟ صحيح أن الانفصال قد سبقته بفترة وجيزة القوانين الاشتراكية تلك التي صدرت من أجل مصلحة الجماهير, ولكن جموع الشعب كان مازال يفتقد شيئا هاما في حياته .. وهو الحرية .. فعندما لا يكون الإنسان آمنا على نفسه لا يمكن ان يعوضه شئ عن هذا ..هذه حقيقة لم يدركها عبد الناصر إلى يوم أن مات .. كان يتصور أن الشعب مرتاح وسعيد وراض عن أسلوب الحكم لأن الناس عندما تراه كانت تهتف له وتهلل وتصفق .. ولكنه نسى أن في ضمير كل مواطن -حتى في الطبقات التي كان يعتقد انه يخدمها - حقيقة أساسية تطغى على كل حقيقة أخرى وهي الإحساس بالحاجة إلى الحرية والأمن.”