“ فعلاً – فكرت بيني و بين نفسي – سخر الانسان الغربي نفسه لعبادة “الدجال”. لقد فقد من زمن طويل كل براءة و فطرة و كل تكامل داخلي مع الطبيعة. أصبحت الحياة لغزاً أمامه. أصبح متشككاً ، و بذلك عزل نفسه عن مجتمعه من البشر و أصبح يعيش في عزلة داخلية. و حتى لا يفنى في تلك الوحدة ، فإنه يسعى إلى قهر الحياة و التغلب عليها بوسائل خارجه عن فطرته. لم تعد حقيقة أنه حي تهبه أماناً داخلياً : لا بد أن ياصرع على الدوام من أجل مزيد من الحياة كأنها غاية في ذاتها. و لأنه فقد كل تكيف روحي لما فوق المادة ، قرر أن يحيا بلا بعد روحي ، و دفعه ذلك إلى إختراع وسائل آلية ميكانيكية تكون حليفة له و نما عنده الميل المحموم اليائس إلى التقنية و التمكن من قوانينها و وسائلها. راح يخترع كل يوم آلات جديدة، و يضفي على كل منها بعضاً من روحه و يدعها تقاتل بدلاً منه ليستمر وجوده زمناً أطول. إنهم يفعلون ذلك > إلا أن ذلك يخلق لهم على الدوام الاحتياجات الجديدة، و مخاطر جديدة، و مخاوف أكثر تدفعه إلى إخترع حلفاء جدد مصنوعة ، في عطش لا يرتوي أبداً. لقد فقد جانبه الروحي في العجلات الدائرة للآلات المنتجة، و فقدت الآلات الهدف الرئيسي منها- ان تكون حامية و مخصبة للحياو الانسانية- و تحولت إلى آلهة بذاها، آلهة مفترسة من الصلب. و يبدو أن مبشرى و دعاة ذلك الإله لا يرتوي لا يعون أن سرعة تطور التقنية الحديثة ليست فقط نتيجة للنمو العقلي ، بل نتيجة لليأس الروحي ، و أن تلك المنجزات العظمى التى يعتقد أنه يقهر بها الطبيعة ليست في حقيقتها إلا ميلاً دفاعياً : فخلف واجهاتها البراقة يكمن الخوف من المجهول. ”
“إنهم إنما يحمدون نتائج هذه العقائد و آثارها التي تبرز في صعيد الوجدان و الشعور، دون أن يستيقنوها بحد ذاتها و يؤمنوا بها الإيمان العقلي السليم.و إلا لساقتهم العقيدة إلى الالتزام، و لتنبهوا إلى التلازم الضروري الواضح بين العقيدة التي تستقر في النفس و آثارها التي لا بد أن تظهر في الحياة و السلوك على كل من الصعيدين الفردي و الاجتماعي.”
“و الخطيئة المنكرة التي عرف بها قوم لوط ( و قد كانوا يسكنون عدة قرى في وادي الأردن) هش الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور، و ترك النساء. و هو انحراف في الفطرة شنيع. فقد برأ الله الذكر و الأنثى؛ و فطر كلاً منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته و مشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل، الذي يتم باجتماع الذكر و الأنثى. فكان هذا الميل طرفاً من الناموس الكوني العام، الذي يجعل كل من في الكون و كل ما في الكون في حالة تناسق و تعاون على إنفاذ المشيئة المدبرة لهذا الوجود. فأما إتيان الذكور الذكور فلا يرمي إلى هدف، و لا يحقق غاية، و لا يتمشى مع فطرة هذا الكون و قانونه. و عجيب أن يجد فيه أحد لذة. و اللذة التي يجدها الذكر و الأنثى في التقائهما إن هي إلا وسيلة الفطرة لتحقيق المشيئة. فالانحراف عن ناموس الكون واضح في فعل قوم لوط. و من ثم لم يكن بد أن يرجعوا عن هذا الانحراف أو أن يهلكوا، لخروجهم من ركب الحياة، و من موكب الفطرة، و لتعريهم من حكمة وجودهم، و هي امتداد الحياة بهم عن طريق التزاوج و التوالد.”
“(فاعبده و اصطبر لعبادته).. اعبده و اصطبر على تكاليف العبادة. و هي تكاليف الارتقاء إلى أفق المثول بين يدي المعبود، و الثبات في هذا المرتقى العالي. اعبده و احشد نفسك و عبئ طاقتك للقاء و التلقي في ذلك الأفق العلوي.. إنها مشقة. مشقة التجمع والاحتشاد و التجرد من كل شاغل، و من كل هاتف و من كل التفات.. و إنها مع المشقة للذة لا يعرفها إلا من ذاق. و لكنها لا تنال إلا بتلك المشقة، و إلا بالتجرد لها، و الاستغراق فيها، و التحفز لها بكل جارحة و خالجة. فهي لا تفشي سرها و لا تمنح عطرها إلا لمن يتجرد لها، و يفتح منافذ حسه و قلبه جميعاً.)فاعبده و اصطبر لعبادته).. و العبادة في الإسلام ليست مجرد الشعائر. إنما هي كل نشاط: كل حركة. كل خالجة. كل نية. كل اتجاه. و إنها لمشقة أن يتجه الإنسان في هذا كله إلى الله وحده دون سواه. مشقة تحتاج إلى الاصطبار. ليتوجه القلب في كل نشاط من نشاط الأرض إلى السماء. خالصاً من أوشاب الأرض و أوهاق الضرورات، و شهوات النفس، و مواضعات الحياة.إنه منهج حياة كامل، يعيش الإنسان وفقه، و هو يستشعر في كل صغيرة و كبيرة طوال الحياة أنه يتعبد الله؛ فيرتفع في نشاطه كله إلى أفق العبادة الطاهر الوضيء. و إنه لمنهج يحتاج إلى الصبر و الجهد و المعاناة.”
“و أوصى [الإسلامٍ] بالبر و الإحسان بين المواطنين و إن اختلفت عقائدهم و أديانهم: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم) الممتحنة. كما أوصى بإنصاف الذميين و حسن معاملتهم: (لهم ما لنا و عليهم ما علينا). نعلم كل هذا فلا ندعو إلا فرقة عنصرية، و لا إلى عصبية طائفية. و لكننا إلى جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا و لا نساوم في سبيلها على عقيدتنا و لا نهدر من أجلها مصالح المسلمين، و إنما نشتريها بالحق و الإنصاف و العدالة و كفى.”
“الإنسان حيوان له تاريخ ! ما معنى ذلك ؟ معناه أن الميزة الأولى التي تميز الانسان من غيره من المخلوقات هي أن كل جيل من البشر يعرف تجارب الجيل الذي سبقه و يستفيد منها ، و إنه بهذه الميزة وحدها يتطور . و على العكس من ذلك الحيوان ، فالأسد أو القط أو الكلب الذي كان يعيش في الأرض منذ ألف سنة لا يمكن أن يختلف عن سلالته التي تراها اليوم في الصفات و الطباع و نوع الحياة”