“إن النظام القانوني بمعناه الضيق يخدم نظام ما بعد الشمولية بنفس الطريقة المباشرة. وهو لا يختلف في ذلك عن باقي المجالات الأخرى لعالم "القوانين والمحاذير".لكنه في الوقت نفسه يشير إلى طريقة هذه الخدمة في بعض مستوياته بدرجات مختلفة من الوضوح. هذه الطريقة التي تُقرّب وظيفته من وظيفة الأيدلوجية على نحو صارخ, إن لم يكن يجعل من النظام جزءاً لا يتجزأ من تلك الأيدلوجية.”
“الشريك الأساسي لهذا التورط من قبل الانسان ليس انسان آخر, لكنه النظام كنسيج يهدف ذاته. ينقسم الناس في هرم السلطة حسب درجة المسوؤلية, وليس بينها المسؤولية عن الكذب. إن الصراع بين مرام الحياة وأغراض النظام لا ينعكس في صراع بين طبقتين اجتماعيتين منفصلتين. النظرة العامة -بشكل تقريبي- تسمح بتقسيم المجتمع إلى حكام ومحكومين. هنا يكمن واحد من أهم الفروق بين نظام ما بعد الشمولية والديكتاتورية التقليدية, التي فيها يمكن رصد حدود هذا الصراع من الناحية الاجتماعية. في نظم ما بعد الشمولية هذه الحدود يصنعها في الواقع كل إنسان. حيث أن كل فردهو ضحية ودعامة. إن ما تعنيه كلمة نظام ليس النظام الذي يفرضه جماعة على الآخرين, لكنه شيء يتغلغل في المجتمع بأكمله ويشارك المجتمع في تشكيله. إنه شيء يبدو وكأنه لا يمكن الإمساك به, حيث أنه مجرد مبدأ, لكن في الواقع يمسك بالمجتمع بأكمله كعنصر هام يضمن له حياته.”
“إن هذا الشعب الذي نحسبه جاهلا ليعلم أشياء كثيرة، ولكنه يعلمها بقلبه لا بعقله. إن الحكمة العليا في دمه ولا يعلم، والقوة في نفسه ولا يعلم. هذا شعب قديم، جئ بفلاح من هؤلاء وأخرج قلبه تجد فيه رواسب عشرة آلاف سنة، من تجاريب ومعرفة رسب بعضها فوق بعض وهو لا يدري...نعم هو يجهل ذلك، ولكن هناك لحظات حرجة تخرج فيها هذه المعرفة وهذه التجاريب، فتسعفه وهو لا يعلم من أين جاءته. وهذا يُفسر لنا تلك اللحظات من التاريخ التي نرى فيها مصر تطفر طفرة مدهشة في قليل من الوقت، وتأتي بأعمال عجاب في طرفة عين. كيف تستطيع ذلك إن لم تكن هي تجاريب الماضي الراسبة قد صارت في نفسها مصير الغريزة، تدفعها إلى الصواب وتسعفها في الأوقات الحرجة وهي لا تدري. لا تظن أن هذه الآلاف من السنين، التي هي ماضي مصر، قد انطوت كالحلم ولم تترك أثرا في هؤلاء الأحفاد...نعم هو يجهل ذلك، ولكن هناك لحظات حرجة، تخرج فيها هذه المعرفة وهذه التجاريب، فتسعفه وهو لا يعلم من أين جاءته. هذا ما يفسر لنا -نحن الأوربيين- تلك اللحظات من التاريخ، التي نري فيها مصر تطفر طفرة مدهشة في قليل من الوقت !... وتأتي بعمل عجاب في طرفة عين !...كيف تستطيع ذلك إن لم تكن هي تجاريب الماضي الراسبة، قد صارت في نفسها مصير الغريزة، تدفعها إلي الصواب، وتسعفها في الأوقات الحرجة وهي لا تدري !...”
“إن من دعا إلى مبدأ : ( منا أمير ومنكم أمير ) لم يتعرض للاضطهاد ، ولم يصادر حقه في إبداء رأيه ، ولم تتم تصفيته بدعوى الحفاظ على النظام ؛ إذ أن الإسلام لا يقر مثل هذه الأساليب المحظورة شرعاً ، وكيف يُضطهد من يطالب بحقه في الشورى وحقه في أن يرشح نفسه لتختاره الأمة أو يختاره غيره ؟”
“إن الناس الذين يعيشون في كنف نظم ما بعد الشمولية يدركون جيداً أنه أهم من وجود حزب واحد أو أكثر من حزب في السلطة, وأسماء هذه الأحزاب, هو هل يمكنكم الحياة كآدميين أم لا.”
“يبدو لي أن الخلاف الجوهري بين نحو الجملة ونحو النص يتمثَّل في اقتصار نحو النص على مناط الإبداع وتخفُّفه من كثيرٍ من قضايا اللغة النفعيَّة كالصِّحَّة التركيبيَّة والالتزام الحرفي بالمعيار، حتَّى إنَّه حين يتناول مثل هذه القضايا التي هي جوهرية في نحو الجملة فإنما يتناولها لا ليقف عندها بل لينفذ إلى أغراض فنِّيَّة جوهرية بالنسبة له، هذا من حيث المهمَّة والهدف، كما أنه يختلف في مصادر استمداده كما سبق بيانه، ويُعدُّ في ذلك أوسع من نحو الجملة، يخطئ إذن من يقابل بين نحو النص ونحو الجملة ويجعل الأول دعوة لإلغاء الآخر، ومثله في ذلك كمثل من يقول إن غرفة الموسيقى في مدرسةٍ ما قد بُنيت من أجل هدم غرفة المدير”