“إن الفكر الإصلاحي هو - من حيث نشأته - نتاج موقف متأزم، نتاج أزمة جعلها الإحساس المتفاقم بالانحطاط وعدم القدرة على رد الغزو الغربي أثقل وطأة. لقد أخطأت الأجيال الأولى من الإصلاحيين عندما تجاهلت حركة الأساطيل والجيوش الغربية المستعمرة، وظنت أن قوة الغرب الحديث هي حصيلة مباشرة وبسيطة للإصلاح الديني والعلم والعقلانية. على أن من التبسيط الفادح تفسير التوجه الإحيائي عند الإصلاحيين بأنه مجرد غطاء لتسويغ الاعتناق الغير مشروط للحداثة الغربية والخضوع لها.”
“وسيكون من الصعب على الإسلاميين الارتفاع إلى مستوى تمثيل جماعاتهم الوطنية إن نظروا إلى أنفسهم بوصفهم طائفة مميزة عن بقية الشعب. التيار الإسلامي هو تيار سياسي يأخذ من التصور والتجربة الإسلامية مرجعا. ولكن الخطاب الإسلامي لا يعطي الإسلاميين قداسة ولا يجعلهم بالضرورة جماعة مختارة. كقوى سياسية، يصيب الإسلاميون ويخطئون، سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة، ووحده الشعب هو من يملك الحق في الحكم على مصداقية الوعود والبرامج. إن ادعى الإسلاميون أن المرجعية الإسلامية توفر حصانة ما لهم، فسينتهون إلى بناء استبداد جديد، لا يمزق الشعوب والمجتمعات فحسب، بل يمزق القوى السياسية الإسلامية كذلك.”
“عزز أداء الإسلاميين المقاومين من نفوذ التيار الإسلامي في كل أنحاء العالم الإسلامي. ولكن شرعية مقاومة الغزو الأجنبي لا تكفي وحدها لتجاوز حال الانقسام والتعدد التي تتسم بها المجتمعات الإسلامية الحديثة. تتسم شعوب أفغانستان ولبنان وفلسطين بتنوع سياسي وإثني وطائفي، يحمل قابلية للتحول إلى انقسام سياسي. لم ينجح المجاهدون الأفغان وخلفاؤهم في حركة طالبان في بناء توافق وطني، ودفعوا البلاد إلى حرب أهلية وعدم استقرار فاقم منه الاحتلال الأمريكي. وبينما أظهر حزب الله مؤشرات على أخذ التعددية اللبنانية في الاعتبار، فإن نجاحه في التعايش مع القوى الأخرى يواجه تحديات وتساؤلات كبيرة منذ اغتيال الرئيس الحريري. أما في فلسطين فسيكون من الصعب على الإسلاميين، وحماس بوجه خاص، إحراز مزيد من التقدم بدون تحقيق توافق وطني. وليس هناك شك في أن فتح نفسها بدأت في خسارة موقعها القيادي بعد توقيع اتفاق أوسلو وانهيار التوافق الفلسطيني الداخلي.”
“على المستوى الإسلامي، ساهم الترابي مساهمة هامة في كسر قشرة القداسة التي أحاطت بالتنظيم الإسلامي. وأوضح أن التنظيم ليس أكثر من أداة مرحلية، وأن الهدف هو الإحياء المجتمعي بقوة الدين ووحدة الناس.”
“بات على الإسلاميين التحرر من الإحساس العميق بالاضطهاد والمطاردة الذي سكنهم منذ عقود طويلة، ليحل محله إحساس إيجابي أعمق بالمسؤولية. لم ينته بالطبع التدافع بين الأنظمة الحاكمة ومعارضيها، لاسيما الإسلاميون منهم، ولا يبدو أن الظلم التذي تمارسه أغلب الأنظمة سينتهي قريبا. ولكن الإسلاميين اليوم باتوا قوة شعبية كبرى، تفوز بعشرات المقاعد في انتخابات بلادها، وتقود نقابات واتحادات طلابية وهيئات مدنية. وهذا ما يتطلب تحمل مسؤولية الدفاع عن مطالب الناس وحاجاتهم وأمانيهم، والارتفاع إلى مستوى هذه المسؤولية.”
“ومن المدهش أن أفكار المودودي المبكرة هي التي انتشرت في العالم الإسلامي، بالرغم من تطور قناعاته باتجاه التحول السلمي نحو الإسلام وباتجاه الالتزام بالنهج الديمقراطي. ولم يلحظ كثير من الإسلاميين الذين تأثروا بأفكار المودودي المبكرة أن هذه الأفكار سجلت في سياق الوضع الخاص لمسلمي الهند قبل قيام باكستان.”
“وكشف التقارب المتزايد بين حماس والجهاد، من ناحية، وقيادة السلطة الفلسطينية، من ناحية أخرى، عن رؤية واقعية متنامية لدى الإسلاميين. فبالرغم من إيمانهم العميق بأن الحق الفلسطيني، العربي والإسلامي، في فلسطين لا يتجزأ، ورفضهم الاعتراف بدولة إسرائيل، بات الإسلاميون الفلسطنيون يدركون أن التحرير الكامل هو مشروع بعيد المدى.”