“ليس من الضرورى مثلا أن يكون الرئيس بوش قد جلس يوما مع الرئيس صدام حسين، وعلى وجه كل منهما ابتسامات شيطانية ،يخططان لغزو الكويت ، بل إن من الممكن جدا أن يُدفع صدام حسين إلى القيام بعمل معين دون أن يكون واعيا وعيا تاما بدوافعه ونتائجه ،أو على الأقل دون أن يُقال له بالظبط أهداف الخطة و أبعادها وخطوات تنفيذها خطوة خطوة . إن الأمر هو مؤامرة فقط بمعنى أن الضحية والضحايا ،وهم فى العادة من الأفراد العاديين الذين لا يدخلون طرفا فى اللعبة السياسية ،لا يدرون الأسباب الحقيقية لما يحدث ،بل وتُبذل جهود متعمدة لتضليلهم .”
“كنت و لا أزال أعتقد أن من أهم أسباب ضعفنا إزاء اسرئيل , أن الشعب و الحكومة هناك يتصرفان ككيان واحد , لهما نفس الأهداف و الطموحات , و تحركهما نفس المشاعر , بينما الأمر عندنا على العكس من ذلك ، فنادرا ما تتحد أهداف الحكومة و أهداف الناس , و هما فى معظم الأحيان كيانان متنافران , لكل منهما طموحاته و حساباته , بل كثيراً ماتكون أفراح الحكومة هى أشجان الناس , و العكس بالعكس .”
“إن المجتمع الاستهلاكي عندما يأتي إلى بلد فقير لا يثير فقط "أحزانا طبقية" بل و"أحزانا ثقافية" أيضا. فقد كان لدينا أمل، في وقت من الأوقات، في أن تستطيع مجتمعاتنا أن تقدم للإنسانية شيئا مختلفا، بل وشيئا أفضل من هذا.”
“لا زلت أشعر ببعض الألم ووخز الضمير حتى الآن، كلما تذكرت منظر أبي وهو جالس فى الصالة وحده ليلا، فى ضوء خافت، دون أن يبدو مشغولا بشيء على الإطلاق، لا قراءة ولا كتابة، ولا الاستماع إلى راديو، وقد رجعت أنا لتوي من مشاهدة فيلم سينمائى مع بعض الأصدقاء. أحيي أبى فيرد التحية، وأنا متجه بسرعة إلى باب حجرتى وفى نيتى أن أشرع فورا فى النوم، بينما هو يحاول استبقائي بأي عذر هروبا من وحدته، وشوقا إلى الحديث فى أى موضوع. يسألنى أين كنت فأجيبه، وعمن كان معى فأخبره، و عن اسم الفيلم فأذكره، كل هذا بإجابات مختصرة أشد الاختصار وهو يأمل فى عكس هذا بالضبط. فإذا طلب منى أن أحكى له موضوع الفيلم شعرت بضيق، و كأنه يطلب منى القيام بعمل ثقيل، أو كأن وقتى ثمين جدا لا يسمح بأن أعطى أبى بضع دقائق.لا أستطيع حتى الآن أن أفهم هذا التبرم الذى كثيرا ما يشعر به شاب صغير إزاء أبيه أو أمه، مهما بلغت حاجتهما إليه، بينما يبدى منتهى التسامح وسعة الصدر مع زميل أو صديق له فى مثل سنه مهما كانت سخافته وقلة شأنه. هل هو الخوف المستطير من فقدان الحرية والاستقلال، وتصور أى تعليق أو طلب يصدر من أبيه أو أمه وكأنه محاوله للتدخل فى شئونه الخاصة أو تقييد لحريته؟ لقد لاحظت أحيانا مثل هذا التبرم من أولادى أنا عندما أكون فى موقف مثل موقف أبى الذى وصفته حالا، وإن كنت أحاول أن أتجنب هذا الموقف بقدر الإمكان لما أتذكره من شعورى بالتبرم و التأفف من مطالب أبى. ولكنى كنت أقول لنفسى إذا إضطررت إلى ذلك “إنى لا أرغب فى أكثر من الاطمئنان على ابنى هذا، أو فى أن أعبر له عن اهتمامى بأحواله ومشاعره، فلماذا يعتبر هذا السلوك الذى لا باعث له إلا الحب، و كأنه اعتداء على حريته واستقلاله؟”
“نحن نعرف أشخاصاً واسعي المعرفة و بعيدين كل البعد عن الحكمة ، و أن الحكمة كثيراً ما تكون مطلوبة أكثر من المعرفة ، بل و إن كثرة المعرفة قد تؤدي هي نفسها إلى قلة الحكمة ، إذا كانت من نوع المعرفة التي "لا تنفع الناس" ، أو إذا أدت كثرتها إلى اختلاط الأمور أمام صاحبها فأضعفت قدرته على التمييز بين النافع و الضار.لا يمكن إذن في تحديد الهدف الاكتفاء بكم المعرفة بل لا بد من التطرق إلى نوعها .”
“إن المهندس المصري الشاب الذي لا يجد عملاً , لا يجلس على المصطبة لأنه يحب الجلوس عليها , بل لأسباب أخرى لا تخفى على سيادة الرئيس . وأما من وجد من المصريين عملاً , فإن انخفاض إنتاجيته لا يعود إلى كسل أو تكاسل , بل إن انخفاض إنتاجيته له علاقة وثيقة بما كنا نتكلم عنه حالاً , من سفريات مئات الموظفين الكبار وحصولهم على بدلات سفر لا يستحقونها ولا نفع منها . فالظلم يثبط الهمم ويخفض الإنتاجية , والعدل يحفز الهمم ويزيد الإنتاجية .”
“إن أي إعفاء من الديون , مهما كان صغيراً , هو بالطبع أفضل من عدمه , ولكن من المفيد أن نعرف أن الاعفاء من الديون دائما له ثمن بعضه دفع مقدما , وبعضه يدفع الآن , وبعضه سيدفع فيما بعد , كما أن من المفيد أن نعرف أن الاقتصاد لا ينبني لا بالاستدانه ولا بالاعفاء من الديون وإنما بوسائل مختلفة تماما .”