“وندرت في تاريخ الحروب القديمة والحديثة حرب تدور على العقيدة الدينية أو الحمية الوطنية لا تحصى عليها فلتة من أشباه هذه الفلتات، ولا يقع فيها نذير السيف حيث ينبغي أن يقع بشير السلام”
“العقيدة التي يخلقها الإنسان لا تبلغ من القوة في نفسه مبلغ العقيدة التي تستولي عليه وتهيمن على وجدانه ، ولكنها في غيبة العقيدة المهيمنة هي حيلته التي لا حيله له غيرها حيث يرفض الإنكار والتعطيل . أو هي على التحقيق أرجح في عقولهم من التعطيل والإنكار”
“أكبر الموانع في سبيل العقل "عبادة السلف" التي تسمى بالعرف والإقتداء الأعمى بأصحاب السلطة الدينية ، والخوف المهين من أصحاب السلطة الدنيوية .. والإسلام لا يقبل من المسلم أن يلغي عقله ليجري على سنّة آبائه وأجداده ولا يقبل منه أن يلغي عقله خنوعا لمن يسخره باسم الدين في غير ما يرضي العقل والدين ولا يقبل منه أن يلغي عقله رهبة من بطش الأقوياء وطغيان الأشداء ولا يكلفه في أمر من هذه الأمور شططا لا يقدر عليه إذ القرآن الكريم يكرر في غير موضع أن الله لا يكلف نفساً ما لا طاقة لها به، ولا يطلب من خلقه غير ما يستطيعون..”
“العقيدة قد تحتوي الأسطورة ولكن الأسطورة لا تحتويها، إذ يشتمل عنصر العقيدة على زيادة لا يشتمل عليها عنصر الأسطورة، وهي زيادة الإلزام الأخلاقي والشعور الأدبي بالطاعة والولاء، والأمل في المعونة والرحمة من جانب الرب المعبود.”
“لا فتوح في الشرق والغرب ، ولا حركات أوربا في العصور الوسطى ، ولا الحروب الصليبية ، ولا نهضة العلوم بعد تلك الحروب ، ولا كشف القارة الأمريكية ، ولا مساجلة الصراع بين الأوروبيين والآسيويين والإفريقيين ، ولا الثورة الفرنسية وما تلاها من ثورات ، ولا الحرب العظمى التي شهدناها قبل بضع وعشرين سنة ، ولا الحرب الحاضرة التي نشهدها هذه الأيام ، ولا حادثة قومية أو عالمية مما يتخلل ذلك جميعه كانت واقعةً في الدنيا كما وقعت لولا ذلك اليتيم الذي ولد في شبه الجزيرة العربية بعد خمسمائة وإحدى وسبعين سنة من مولد المسيح .”
“الفلسفة الماديّة في هذا العصر أضعف من أن تهاجم العقيدة في معقل أو في مقتل ، وأنها قد تراجعت من الهجوم المتلاحق إلى الدفاع الذي لا يعززه دليل مقبول”
“وما من شئ غير الغرض الأعوج يذهل صاحبه عن هذه الأسباب الطبيعية البينة ، ثم يخيل اليه ان الدعوة الاسلامية كانت فضولاً غير مطلوب في هذه الدنيا ، وان نجاحها مصطنع لا سبب له غير الوعيد والوعود او غير الإرهاب بالسيف والإغراء بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين .أي ارهاب وأي سيف ؟ ..إن الرجل حين يقاتل من حوله إنما يقاتلهم بالمئات والألوف وقد كان المئات والألوف الذين دخلوا في الدين الجديد يتعرضون لسيوف المشركين ولا يعرضون أحداً لسيوفهم ، وكانوا يلقون عنتاً ولا يصيبون أحداً بعنت ، وكانوا يخرجون من ديارهم لياذاً بأنفسهم وأبنائهم من كيد الكائدين ونقمة الناقمين ولا يخرجون أحداً من داره .فهم لم يسلموا على حد السيف خوفا من النبي الأعزل المفرد بين قومه الغاضبين عليه ، بل أسلموا على الرغم من سيوف المشركين ووعيد الأقوياء المتحكمين .. ولما تكاثروا وتناصروا حملوا السيف ليدفعوا الأذى ويبطلوا الإرهاب والوعيد ، ولم يحملوه ليبدأوا واحداً بعدوان أو يستطيلوا على الناس بالسلطان . فلم تكن حرب من الحروب النبوية كلها حرب هجوم ، ولم تكن كلها الا حروب دفاع وإمتناع .اما الإغراء بلذات النعيم ومتعة الخمر والحور العين .. فلو كان هو باعثاً للإيمان ، لكان أحرى الناس أن يستجيب إلى الدعوة المحمدية هم فسقة المشركين وفجرتهم و أصحاب الترف والثروة فيهم ، ولكان طغاة قريش هم أسبق الناس الى استدامة الحياة واستبقاء النعمة ، فإن حياة النعيم بعد الموت محببة الى المنعمين تحبيبها الى المحرومين ، بل لعلها اشهى الى الأولين وأدنى ولعلهم احرص عليها وأحنى لأن الحرمان بعد التذوق والإستمراء أصعب من حرمان من لم يذق ولم يتغير عليه حال .*”