“الحب هو الطريقة الوحيدة التي يدرك بها الانسان كائنا انسانيا آخر في اعمق أغوار شخصيته. فلا يستطيع انسان أن يصبح واعيا كل الوعي بالجوهر العميق لشخص آخر الا اذا أحبه. فبواسطة الفعل الروحي للحب, يتمكن الانسان من رؤية السمات والمعالم الأساسية في الشخص المحبوب, بل ان الانسان يرى أكثر من ذلك, ما هو كامن في الآخر, يرى ما ينبغي أن يتحقق مما لم يتحقق فيه بعد. وعلاوة على ذلك, فان الشخص المحب بحبه انما يمكّن الشخص المحبوب من تحقيق امكاناته. فبواسطة تبصيره ليكون على وعي بما يمكن أن يكون عليه وبما ينبغي أن يصير عليه, انما يجعل مما كان كامنا من هذه الامكانات حقيقة واقعة.”
“الصحة النفسية تستند الى درجة كبيرة من التوتر- التوتر بين ما انجزه الفرد بالفعل وما لا يزال عليه ان ينجزه, او الفجوة بين واقع الفرد وما ينبقغي أن يصير عليه. ذلك التوتر كامن في الوجود الانساني وبالتالي فلا غنى عنه بالنسبة للصحة النفسية. وينغي اذن الا نتردد في أن نضع أمام الانسان تحديات عليه أو يواجهها بما عنده من معان كامنة عليه أن يحققها. فكل ما نفعله في هذه الحالة هو أن نستدعي إرادة المعنى عنده في حالة كمونها. وأعتبر أنه لتصور خاطئ وخطير للصحة النفسية الزعم بأن ما يحتاجه الانسان في المحل الاول هو التوازن, أو كما يعرف باستعادة الاتزان في البيولوجيا, اي حالة اللاتوتر. فليس ما يحتاجه الانسان حقيقة هو حالة اللاتوتر ولكنه يحتاج الى السعي والاجتهاد في سبيل هدف يستحق أن يعيش من أجله. فالانسان لا يحتاج الى التخلص من التوتر بأي ثمن, ولكن يحتاج الى استدعاء امكانات المعنى-ذلك المعنى الذي ينتظر أن يقوم بتحقيقه. إن ما يحتاجه الانسان ليس استعادة الاتزان ولكن ما اسميه بـ الديناميات المعنوية, في مجال للتوتر -يتمثل أحد قطبيه في المعنى اللازم تحقيقه, ويتمثل القطب الآخر في الانسان الذي ينبغي أن يقوم بتحقيقه.”
“هذا خطأ شائع نقع فيه جميعاً, فالظاهر أن من الصعب على ذهن المرء أن يميز بين جوانب الإنسان المتعددة, و أن من الأسهل بكثير أن يحكم على الشخص ككل, حُكما واحدا جاهزا, لا يميز بين جانب من فكر هذا الشخص و جانب آخر. و لعلّ هذا الميل الشئع لدينا في المحكم على الناس, هو الذي جعلنا نتراوح بين الحب الشديد لشخص ما في وقت من الأوقات, و السخط الشديد عليه في وقت آخر, بين التقدير البالغ لشخص, و احتقاره احتقاراً تاماً.”
“الكائن الانساني ليس شيئا واحدا بين أشياء أخرى, مما يحدد بعضها البعض الآخر, ولكن الانسان هو الذي يحدد في النهاية ذاته. فما يصير عليه -داخل حدود الوراثة والبيئة- إنما يكون قد حققه إنطلاقا من ذاته. على سبيل المثال, في معسكرات الاعتقال - أي في هذا المعمل الحي وفي هذا المجال الاختباري- لاحظنا وشهدنا بعضا من زملائنا يسلكون كالخنازير, في حين يسلك البعض الآخر كالملائكة. ويوجد هذان النمطان من الامكانات كلاهما بداخل الانسان, ولكن النمط الذي يتحقق منها إنما يتوقف على ما يتخذ من قرارات ولكنه لا يتوقف على الظروف.ان جيلنا لجيل واقعي لأننا قد توصلنا الى أن نعرف الانسان كما هو في الواقع. ومع كل ذلك, فالانسان هو ذلك الكائن الذي ابتدع غرف الاعدام بالغاز في آوشويتز, وبالرغم من ذلك فأنه هو أيضا ذلك الكائن الذي دخلها شامخ الأنف, مرفوع القامة, شاكرا ربه.”
“الانسان وفقا لجان بول سارتر, يخترع نفسه, ويصمم جوهره, اي يبتدع ويصمم حقيقة ماهيته, بما في ذلك ما ينبغي أن يكون عليه أو يصير به. ومع ذلك, فاني اعتقد ان معنى وجودنا ليس أمرا نبتدعه نحن انفسنا, وانما هو بالأحرى أمر نكتشفه ونستبينه.”
“حين نعلم أن الإنسان مخلوق مسؤول, وينبغي أن يحقق المعنى الكامن لحياته, أود أن أؤكد على أن المعنى الحقيقي للحياة إنما يوجد في العالم الخارجي أكثر مما هو في داخل الانسان أو في تكوينه النفسي لذاته, كما لو أننا في نظام مغلق. وتعني هذه العبارة أن الهدف الحقيقي للوجود الانساني لا يمكن أن يوجد فيما يسمى بتحقيق الذات. فالوجود الانساني هو بالضرورة تسام بالذات وتجاوز لها أكثر من أن يكون تحقيقا للذات. وتحقيق الذات ليس هدفا ممكنا على الاطلاق, وذلك لسبب بسيط وهو أنه بقدر ما يسعى الانسان اليه, بقدر ما يخفق في الوصول اليه. والى الحد الذي يلتزم فيه الانسان بتحقيق معنى لحياته, فانه بهذا الحد ايضا يحقق ذاته. وبعبارة أخرى, لا يمكن التوصل الى تحقيق الذات اذا جعله الشخص كغاية في حد ذاته, ولكن يكون هذا ممكنا اذا نظر اليه كأثر جانبي للتسامي بالذات فقط.”