“, كل ما أريد أن تعرفه يا ميم بأنني أحاول أن أجمع شتاتي في حقيبتك الاّخيرة و أخبئني في نسمة هواء عابرة وأغادر إليك, فمدينتنا يا ميم تشعرني بالتقيؤ مدينتنا تغتالّ كل مساحة خضراء تزرع في قلوبنا التناقضات و القسوة و الجفاف تعلمنا أن البسطاء لاحياة صالحة لهم فوحدهم من يقام عليهم الحد و ماسواهم هم ملائكة منزهين من النار, شرعتُ نوافذ غرفتي الاّن ياميم و أنا أعاتب مدينتنا بعد أن بصقتّ عليها وهي تتجاهل حديثي و تبكي و تقول:"يا سهام الخلل ليس بجوفي الخلل في من يتنفس بداخلي و لو كان الاّمر بيدي لهربت إلى سكة قطار بعيدة و انتحرت . فتناقضاتكم لا يحتملها حجر "اللعنة يا ميم كيف اخلصها من خللاً بحجم هذه الأرض أجمع .كيف؟”
“و قد تسألين كيف ارتقت به هذه العظمة الكاذبة من درجة الى درجة، و من مكانة الى مكانة، و لكني أرجو أن تكوني أقل سذاجة من هذا يا سيدتي، فليس ينبغي أن تسألي عن الضعفاء و العاجزين كيف يرتفعون فذلك ملائم لطبيعة الاشياء، و انما يجب أن تسألي عن الأكفاء كيف يثبتون في مواضعهم و كيف يتاح لبعضهم أن يرقى إلى شئ من امتياز المنصب و ارتفاع المكانة فذلك هو المخالف للطبيعة، المباين لمنطق الدنياكما يقول أديب من أصدقائنا”
“لذلك أوصي كل قارئ لهذه الفصول أن يتخذ له دفترا , يدون فيه كل عشية ما رأى في يومه , لا أن يتكب ماذا طبخ و ماذا أكل , و لا كم ربح و كم أنفق , فما أريد قائمة مطعم , و لا حساب مصرف . بل أريد أن يسجل ما خطر على باله من أفكار , و ما اعتلج في نفسه من عواطف , و أثر ما رأى و سمع في نفسه , لا ليطبعها و ينشرها , فما كل الناس من أهل الادب و النشر , و لكن ليجد فيها يوما نفسه التي فقدها ..”
“و عاد في كفن يحكون في بلادنا يحكون في شجن عن صاحبي الذي مضى و عاد في كفن * كان اسمه.. . لا تذكروا اسمه! خلوه في قلوبنا... لا تدعوا الكلمة تضيع في الهواء، كالرماد... خلوه جرحا راعفا... لا يعرف الضماد طريقه إليه. .. أخاف يا أحبتي... أخاف يا أيتام ... أخاف أن ننساه بين زحمة الأسماء أخاف أن يذوب في زوابع الشتاء! أخاف أن تنام في قلوبنا جراح نا ... أخاف أن تنام !! -2- العمر... عمر برعم لا يذكر المطر... لم يبك تحت شرفة القمر لم يوقف الساعات بالسهر... و ما تداعت عند حائط يداه ... و لم تسافر خلف خيط شهوة ...عيناه! و لم يقبل حلوة... لم يعرف الغزل غير أغاني مطرب ضيعه الأمل و لم يقل : لحلوة الله ! إلا مرتين لت تلتفت إليه ... ما أعطته إلا طرف عين كان الفتى صغيرا ... فغاب عن طريقها و لم يفكر بالهوى كثيرا ...! -3- يحكون في بلادنا يحكون في شجن عن صاحبي الذي مضى و عاد في كفن ما قال حين زغردت خطاه خلف الباب لأمه : الوداع ! ما قال للأحباب... للأصحاب : موعدنا غدا ! و لم يضع رسالة ...كعادة المسافرين تقول إني عائد... و تسكت الظنون و لم يخط كلمة... تضيء ليل أمه التي... تخاطب السماء و الأشياء ، تقول : يا وسادة السرير! يا حقيبة الثياب! يا ليل ! يا نجوم ! يا إله! يا سحاب ! : أما رأيتم شاردا... عيناه نجمتان ؟ يداه سلتان من ريحان و صدره و سادة النجوم و القمر و شعره أرجوحة للريح و الزهر ! أما رأيتم شاردا مسافرا لا يحسن السفر! راح بلا زوادة ، من يطعم الفتى إن جاع في طريقه ؟ من يرحم الغريب ؟ قلبي عليه من غوائل الدروب ! قلبي عليك يا فتى... يا ولداه! قولوا لها ، يا ليل ! يا نجوم ! يا دروب ! يا سحاب ! قولوا لها : لن تحملي الجواب فالجرح فوق الدمع ...فوق الحزن و العذاب !لن تحملي... لن تصبري كثيرا لأنه ... لأنه مات ، و لم يزل صغيرا ! -4- يا أمه! لا تقلعي الدموع من جذورها ! للدمع يا والدتي جذور ، تخاطب المساء كل يوم... تقول : يا قافلة المساء ! من أين تعبرين ؟ غضت دروب الموت... حين سدها المسافرون سدت دروب الحزن... لو وقفت لحظتين لحظتين ! لتمسحي الجبين و العينين و تحملي من دمعنا تذكار لمن قضوا من قبلنا ... أحبابنا المهاجرين يا أمه ! لا تقلعي الدموع من جذورها خلي ببئر القلب دمعتين ! فقد يموت في غد أبوه... أو أخوه أو صديقه أنا خلي لنا ... للميتين في غد لو دمعتين... دمعتين ! -5- يحكون في بلادنا عن صاحبي الكثيرا حرائق الرصاص في وجناته وصدره... ووجهه... لا تشرحوا الأمور! ”
“سأل أحدهم الفيلسوف و الشاعر الهندي "طاغور" :أخبرني يا طاغور كيف حالك الآن في حيتك بعد الموت ?فأجابه طاغور :و أنت كيف تريد مني أن أخبرك بشئ كلفني العلم به أن أموت ?!لكل دار علومها .. و هل كنت و أنا علي الأرض أعلم الأموات ?كيف تريدون مني الآن بعد الموت أن أعلم الأحياء ?!علوم الدار الأرضية يفهمها أهلها .. و علوم الدار في الآخرة لا يدركها غير أهلها .. مت أولاً و احضر إلي هنا في ألآخرة و أنت تعلم و تفهم …”
“وقفنا وراء الأسلاك الشائكة التى يرتفع وراءها العلم الإسرائيلي مددت يدي من فوق السلك و أمسكت بالأفرع العلوية من إحدى الشجيرات البرّية في الجانب المحتل من الجولان ، أخذت أهز الشجيرة المضمومة في يدي وقلت للدكتور حسين مروة و كان يقف بجواري مباشرة :- هذه هي " الأرض المحتلة" يا أبو نزار إننى أستطيع أن أمسكها باليد! ، عندما تسمع في الإذاعات و تقرأ في الجرائد و المجلات و الكتب و الخطب كلمة " الأرض المحتلة " سنة بعد سنة و مهرجانا بعد مهرجان و مؤتمر بعد مؤتمر ، قمةً بعد قمة ، تحسبها وهما في آخر الدنيا! تظن أن لا سبيل للوصول إليها بأي شكل من الأشكال ... هل ترى كم هي قريبة ، ملموسة، موجودة بحق ! إنني أستطيع إمساكها بيدي كالمنديل. و في عيني حسين مروّة تكوّن الجواب كله ،و كان الجواب صامتا مبلول”