“ويُجمع الجميع أن كل حكمته كانت تنبع من عنايته بالإشارات الخفية. ويقال أن الموت أيضا لم يفاجئه. رأى في منامه أنه يقف تحت السدرة الأسطورية الضائعة في غرب الصحراء ويشرب من ماء البحيرة. فقال له العراف في الصباح: أعد نفسك للرحلة. إنها سدرة المُنتهَى.”
“والاحتقار في ناموس الصحراء أسوأ من المحو، أسوأ من الفناء. الاحتقار هو الموت كل يوم، كل ساعة، كل لحظة.”
“البلية تعود مع الاسترخاء وتتسلل في الغفلة. إذا عجزَت أن تأخذك في عراك الند للند توارت لتطعنك من الخلف عندما تستدير وتعطيها ظهرك. هذه تعاليم تعطيها الصحراء للرعاة مجانا كل يوم، ولكنها تتخلى عنهم بمجرد أن يسكنوا الواحات ويتطاولوا في الزراعة.”
“أحسَّ بالشقاء بمجرد أن عاد إلى الأرض ووجد نفسه مطوقا ببدن بائس، سجن يستجيب للألم ويستنكر صفعة تافهة من كف. فما أتفه البدن.ماألعن سجن الجسد.أين السكينة؟أين طوق الغيبة الذي يحصِّن من حسّ الوعاء؟ ياليتني كنت حبة رمل.هبة ريح.ومضة ضياء في عراء الصحراء. ياليتني لم أولد في البدن. ياليتني لم أوجد في الأرض.”
“من اكتشف في الروح صديقاً ، رأى في الناس عدواً”
“وهو يخاف الإشارات. الصحراء علّمته أن يتيقظ للإشارات. قالت له إنه ليس في الحياة شيء يمكن أن يعادل الإشارة عندما تتجاهلها أو تغفل عنها. "الإشارة هي القدر". هكذا قالت الصحراء.”
“قادته تجربته الطويلة مع الانتظار إلى المجهول دون أن يدري. استدرجته ديمومة الانتظار إلى دهليز أطلق عليه اسم الغيبوبة من باب الاستعارة. أدرك بهذهِ التجربة أن الشقوة ليست في أن نفشل، و لكن في أن ننتظر. أدرك أنّ القصاص ليس أن نيأس، و لكن أن ننتظر. أدرك أن البليّة ليس أن نهلك، و لكن أن ننتظر. و العلة ليست في الخيبة (خيبة الطلب)، و لكن لاستحالة أن يستمرئ الإنسان الانتظار أبدًا. بلى، بلى. الانتظار هو ما استعسر على الطبيعة الثانية المسماة في معجم الحكمة: العادة.في الآونة الأخيرة استعان على هذا الغول بالغيبوبة. لا ينكر أنه روَّض نفسه عليها طويلًا مستنجدًا بوصايا أمّه الكبرى، الصحراء؛ لأن الحياة في ذلك الوطن المفقود ليست سوى انتظار طويل، بل انتظار أبدي لا يضع لأبديته نهاية إلّا النهاية الطبيعية التي هي الموت.”