“وقد وضع محمد بن المختار الشنقيطي اثنتين وعشرين قاعدة علميّة، استنبطها من قراءته الواسعة ودراسته المستفيضة للموضوع من جميع جوانبه، ومن تأملاته العميقة، ومن موازناته المحايدة بين مختلف المواقف ومختلف اﻵراء والاحكام؛ مستفيداً مما كتبه الراسخون في العلم من أئمة الأمّة، الذين تميّزوا بالاعتدال وجمعوا بين صحيح المنقول وصريح المعقول، وبخاصّة شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أكثر النقل عنه والتعويل عليه. وهو محق في ذلك، وإن كان قد أبدى بعض الملاحظات عليه، وليس في العلم كبير، وهو على كل حال بشر غير معصوم.”
“ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا من جهاد العبد نفسه في ذات الله، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله ورسوله عنه" : كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج، وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نُهيت عنه، ويحاربها الله: لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له، متسلط عليه، لم يجاهده، ولم يحاربه في الله؟ بل لايمكنه الخروج إلى عدوه، حتى يجاهد نفسه على الخروج.”
“التدرج في تطبيق الشريعة ليس معناه تعطيل الحكم بالشريعة أو تعليقه إلى أجل غير مسمى، بل معناه وضع خطة محكمة ذات مراحل محددة للانتقال بالمجتمع من العلمانية إلى الإسلام، على أن تـُعطى الأولوية للجوانب التربوية والإعلامية والثقافية التي تعمل متضامنة متكاملة من أجل بناء الإنسان الذي ينشده الإسلام، وتهيئة المناخ اللازم لتطبيق سائر شرائع الإسلام بنجاح وتوفيق، وفي مقدمة ذلك إزالة الحواجز أمام الدعاة الصادقين للإسلام - أفرادا وجماعات - وتوفير ضمانات الحرية الضرورية لهم ليقوموا بواجبهم في الدعوة والتوعية والتربية والتكوين، وهذه من ألزم الأولويات. التدرج المطلوب هو الذي يضع نصب عينيه الهدف، ويحتال جاهدا للوصول إليه، فلا يمر يوم - كما أشار عمر بن عبد العزيز - إلا وهو يميت بدعة من بدع الجاهلية، ويحيي سنة من سنن الإسلام.”
“فمن قال في القرآن بمجرد رأيه فهو مخطىء وإن أصاب، لأنه تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به. فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر، لكان قد أخطأ: لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر.”
“ونحن نقصد بالإسلام الذي ندعو إليه الإسلام الذي يمثله التيار المستنير المعتدل الملتزم، وهذا التيار هو الذي يمثل الجمهور الأكبر للصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية، وهو التيار المستمر والباقي برغم ما يعترضه من عقبات وما تعرض له من محن، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "تيار الوسطية الإسلامية". وأما التيارات الأخرى فتمثلها فصائل قليلة العدد قصيرة العمر، وهي - في العادة - لا تستمر طويلا، فإن الغلو لا يطول عمره.”
“إذا اختلف علماء الإسلام المتخصصون في دراسته وفقهه، والذين عاشوا حياتهم له، يتعلمونه ويُعلمونه، ويدرسون معه كل ما يعين على حسن فهمه من "العلوم الآلية" التي هي آلة الفهم ووسيلة الاستنباط، وهي علوم اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان. إذا اختلف هؤلاء مع دعاة العلمانية - الذين لم يعرفوا من الإسلام إلا قشورا ربما أخذوها عن "المستشرقين" الذين يحسنون بهم الظن أو "المستغربين" الذين تتلمذوا على أيديهم، ولعلهم لم يقرأوا كتابا معتبرا في أصول الفقه أو في مصطلح الحديث بله الفقه أو الحديث نفسه - فمن يكون أحق بالصواب من الفريقين؟ الإسلاميون أم العلمانيون؟ ومع من يسير المسلم وهو مطمئن القلب؟”
“وهنا ينبغي أن يعامل كل إنسان في حدود مرتبته، فمن الناس من لا يُنكر عليه الوقوع في الشبهات، لأنه غارق في المحرمات وربما في كبائرها، والعياذ بالله. كما يجب أن تظل الشبهة الشرعية في رتبتها الشرعية، ولا نرفعها إلى رتبة الحرام الصريح أو المقطوع به. فإن من أخطر الأمور: تذويب الحدود بين مراتب الأحكام الشرعية، مع ما جعل الشارع بينها من فروق في النتائج والآثار.”