“فالابتسام للمال يُغْري بالاستزادة منه، والاستزادة منه تفتح أبواباً من الطمع لا سبيل إلى إغلاقها. وإذا وجد الطمع وجد معه زميله البَغْي، ووجد معه زميل آخر هو التنافس، ووجد معه زميل ثالث هو التباغض والتهالك على الدنيا. وإذا وجدت كل هذه الخصال وجد معها الحَسد الذي يحرق قلوب الذين لم يُتَح لهم من الثراء ما أتيح لأصحاب الثراء. وإذا وجد الحسد حاول الحاسدون إرضاءه على حساب المحسودين، وحاول المحسودون حماية أنفسهم، وكان الشر بين أولئك وهؤلاء. وهذا كله هو الذي حدث أيام عثمان، وهو الذي دفع أهل الأمصار إلى أن يثوروا بخليفتهم، ثم إلى أن يحصروه ويقتلوه.”
“ما ينبغي أن تُبغض إلى البائس بؤسه ولا أن تُكره إليه شقاءه، وإنما ينبغي أن تحبب إليه البؤس، ليتحمله وليزيد منه إن استطاع، وأن تزين في قلبه الشقاء، ليصبر عليه ويمعن فيه إن وجد إلى الإمعان فيه سبيلا؛ فالبؤس قضاء محتوم على البائسين، كما أن النعيم قضاء محتوم على المنعَّمين؛ والشقاء قدر مقدور على الأشقياء، كما أن السعادة قدر مقدور على السعداء.والرجل الحازم العازم الحكيم خليق أن يرضى بالقضاء المكتوب، والقدر المحتوم، يحتمل الخير غير زاهد فيه، ويحتمل الشر غير ساخط عليه؛ ولأمر ما وُصِفَ الشرقيون بأنهم أصحاب إذعان للقضاء، واستسلام للقدر، ورضا بالمكروه فلنصدق على أقل تقدير قول الغرب عنا وظنه بنا ورأيه فينا، ليصطنع المترفون الشجاعة ليحتملوا الترف، وليصطنع البائسون الشجاعة ليحتملوا البؤس، وليصبر أصحاب الثراء على محنتهم بالثراء، وأصحاب الحرمان على فتنتهم بالحرمان، حتى ينتهي أولئك وهؤلاء إلى الموطن الذي لا يكون فيه ثراء ولا حرمان، والذي لا يكون فيه فقر ولا غنى، والذي لا يكون فيه يسر ولا عسر، والذي تتحقق فيه المساواة بين الناس جميعا حين يصيرون إلى تراب كما خلقوا من تراب.”
“إذا إذن الكاتب لنفسه أن يتحدث إلى الناس أو وجد في نفسه الشجاعة لذلك فمن الحق عليه لآرائه التي يذيعها و خواطره التي يقيدها .. أن تصل هذه الآراء و الخواطر إلى أضخم عدد ممكن من القراء لا في الوقت الذي تكتب فيه فحسب بل فيه و فيما يليه من الأوقات”
“إن الفكر أو الجوهر (الوجود الكامن) يتجسم في الفعل, (الوجود الظاهر). وإنه يستفيد من النقص الذي في الفعل لينتقل به إلى الكمال الذي يمثله هو. أي إن الفكر يتناقض مع فعله, وإذا كان التناقض صراعًا, فإن الصراع يبقى طالما وجد نقص, طالم وجد تناقض بين الفكر والفعل, بين المضمون والشكل. وإنهما متى ما تطابقا, انتهى التناقض وتوقف الصراع, لأن غاية الصراع أن يبلغ بالفعل كمال الفكر.”
“إني أترك سياسة العامة لغيري،فليس أمرهم من شأني ، إنما يعنيني ألا يُبنى الخطأ على أمر يُنسب إلي ، وإذا كنتم تريدون الحق الثابت فابحثوا عنه في غير هذه الدنيا أو عند غير الإنسان ،وأنا لا أريد أن أكذب على العامة فأصبغ لهم رأياً بعينه صبغة الحق الثابت ، ولا أريد أن أموه عليهم ولو كان ذلك خيراً لهم .. وإذا كنتم ممن يرون أن الكذب تُسوغه السياسة فاعلموا أن ذلك إنما يرجع إلى ما اختاره رجال السياسة لأنفسهم فهم يختارون أسهل السبل وأقربها إلى بلوغ غاياتهم وأقلها مشقة ،وإنك لتراهم يتهافتون على الكذب ويتسابقون إليه حين يكون أسهل السبل إلى غاية يريدونها .. ولو اتبعوا سبيل الصدق لبلغوا هذه الغايات على ما قد يكون في طريقهم من مشقة وصعاب. وإذا كان من رجال الدين من يرى رأي أهل السياسة ،فذلك أنهم يضعون السياسة فوق الدين أو يضعون سياسة الدين فوق الدين نفسه؛ وهذا هو الضلال المبين”
“إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني.”
“ لم يبق بين هذين الخصمين العنيدين صراع أو تفكير في الصراع، إنما هو الإذعان الذي لا ثورة بعده و الاستسلام الذي رجوع فيه”