“ومن غرائب ما ارتآه الواعظون في هذا الأمر أن قالوا: خذوا من الغرب محاسنه واتركوا مساوئه. كأن المسألة أصبحت انتقاءً طوع الإرادة كمن يشتري البطيخ.إن الحضارة جهاز مترابط لا يمكن تجزئته أو فصل أعضائه بعضها عن بعض. فالحضارة حين ترد تأتي بحسناتها وسيّئاتها.”
“الإنسان مجبول أن ينسى مساوئه ويتذكر محاسنه تذكراً لايخلو من مبالغة”
“وقد امتاز الإسلام، بين سائر الأديان، بأنه فرض على أتباعه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول النبي محمد: "إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم، فقد تودع منها". وهذا الواجب الإسلامي، أي واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجب غريب يدعو إلى التأمل. فهو يفرض على الناس أن يجابهوا الظالم بالاعتراض والانتقاد وأن يقولوا له في وجهه: "إنك ظالم". ومن يدرس نفسية الظالمين يجد أنهم لا يستسيغون مثل هذه المجابهة اللاذعة. وكثيراً ما يأمرون بقتل من ينتقدهم أو يعترض عليهم .. جاء الوعاظ إلى واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فرضه نبي الإسلام فأوّلوه لكي يلائم فلسفتهم في الخضوع للسلاطين. فهم قد جعلوا هذا الواجب العظيم وظيفة حكومية حقيرة وأطلقوا عليه اسم "الحسبة". وساعدهم السلاطين في ذلك فعيّنوا نوعاً من الجلاوزة يشبه ما نعرف اليوم عن جلاوزة البلديات، وأمروهم بالتجول في الأسواق في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فرض النبي واجب النهي عن المنكر لكي يحرّض أمته على مكافحة الظلم، فجعله السلاطين سوطاً بيد الجلاوزة يسلطونه على رأس البقال والحمال والمعلم من أهل السوق المساكين.”
“وأرجو من القارئ أن لا ينخدع بما يتحذلق به المتحذلقون من أنهم يحبون الحقيقة ويريدون الوصول إليها بأي ثمن. إن هذا هراء ما بعده هراء. إن الإنسان حيوان وابن حيوان وذو نسب في الحيوانات عريق. فهو يود من صميم قلبه أن يكون غالباً ويكره أن يكون مغلوباً على أي حال. إن الغلبة هي رمز البقاء في معركة الحياة. ومن النادر أن نجد إنساناً يلذ له أن يصل إلى الحقيقة وهو مغلوب أو مهان أو خاسر.”
“يخيل الى بعض المغفًّلين من المفكرين أن المجتمع البشري قادر على ان يكون مطمئناً مؤمناً متمسكاً بالتقاليد القديمة من جهة, وان يكون متطوراً يسير في سبيل الحضارة النامية من الجهة الاخرى. وهذا خيال غريب لا ينبعث إلا في أذهان اصحاب البرج العاجي الذين يغفلون عن حقيقة المجتمع الذي يعيشون فيه”
“الإرادة والإلهام لايجتمعان فكلّما اشتدت ارادتك قل الهامك. فأنت لا تنجح في استثمار العقل الباطن إلا حين تكون منهمكاً في أمر لاتريد منه غرضاً مؤقتاً ولا تبتغي شهرة أو مالاً أو نفوذاً.”
“ومشكلة هذه الحياة أنك لا تستطيع أن تجد فيها شيئاً ينفع من غير ضرر أو يضر من غير نفع في كل حين”