“وفي وقت كان فيه محمد علي الجاهل يحطّم أجنحة الأزهر، ويضعه في قفص لا يستطيع الإفلات منه، ويدبّر كل مكيدة لإسقاط هيبته وهيبة مشايخه، ويعزلهم عن جمهور الأمّة عزلا بين قضبان من حديد وجدران من الصخور= ومرّت الأيّام والسنون، وهذا الصدع يتفاقم، حتى انتهينا إلى ما نحن عليه اليوم من الانقسام والتفريق، وذهبت (الثقافة المتكاملة) في دار الإسلام في مصر أدراج الرياح.”
“المستشرقون والمبشرون هم في الحقيقة جماعة لم يصلحوا لشيء من بلادهم، أو لم يطيقوا أن يكونوا شيئا مذكورًا، فيسرهم الله لما يسرهم له من الاستشراق والتبشير. ولو أن أحدهم كتب كتابًا في تاريخ أمته، بمثل العقل والمنطق اللذين يكتب بهما في تاريخ الإسلام، لكان مصير ما يطبع منه أن يظل مطروحًا عند ناشره، حتى يفتح الله عليه فيبيعه بالجملة لمن يستعمله لشيء يُتقَزَر منه غير القراءة”
“بل إن الباطل المشرق أضرى وأفتك بالبشر من صنوه وأخيه المظلم. للباطل المظلم ردة، كرَدَّة الوجه القبيح، يزوى لها الناظر ما بين عينيه، ويردُّ بصره معرضًا عما يرى فيه من قبح. أما الباطل المشرق المضيء، فله فتنة تنادي، كفتنة وجه الحسناء الخبيثة المنبت، تأخذ بعين الناظر، فيقبل عليها ملقيًا بنفسه في مهالك هذا الجمال الآسر، وإذا المنبت الخبيث درَّة مستهلكة في هذا التيار المترقرق من فتن الحسن والهوى.وهذه الرقعة المتراحبة من حدود الصين إلى المغرب الأقصى – والتي تسكنها أمم ورثت اسم الإسلام، فنُسبت إليه، ووُصفت به – تعيش اليوم في بريق متلالئ من هذا الباطل المشرق”
“وبيّن مما حاولت الإبانة عنه:أن علاج صورة الكاتب أمر موضوعي، لا شخصي، ولا ذاتي، وأنه ليس بتجريح للكاتب، إذا كانت الصفات التي يستحقها من نفس كلامه، من نفسه منطقه، من نفس تفكيره، من نفس ضميره، من نفس هدفه. وكل لفظ يتضمن صفة من صفاته، لا يمكن أن يعد تجريحا إذا كان مأتاه من تحليل الكلام والأهداف، مهما بلغت هذه الصفات من القسوة، أو الغرابة، أو الاستنكار. بل الأمر المستنكر كل الاستنكار على الناقد، والأمر القادح فيه وفي نقده، أن يخون الأمانة، حين يجد كاتبا مختل التفكير، بيّن الضغينة، بذئ النفس، قبيح الأغراض، سيئ الأدب، ويجده يستخدم ذلك كله في كتابته، ليبلغ إلى هدف سيئ معيب، فيدع ذلك مستورا، ويتناول كلامه مجردًا، وينقده نقدا موضوعيا. بل أقول أكبر من ذلك: إن الناقد إذا فعل ذلك كان أضر على الناس وعلى عقولهم، من الكاتب نفسه، لأنه يظهر هذا التالف الوقح بمظهر من خلا من كل قادح في تكوين ما يكتبه، وهو أشد خيانة للأمانة، وأبعد إيلاما في الغش واللؤم وخسة الطباع، وهو فوق ذلك مدلّس سخيف التدليس”
“(أرأيت قطّ رجلا من غير الإنجليز أو الألمان مثلا، مهما بلغ من العلم والمعرفة، كان مسموع الكلمة في آداب اللغة الإنجليزية، وفي حياة المجتمع الإنجليزي ، يدين له العلماء بالطاعة والتسليم)؟ أليس غريبا أن يكون غير الممكن ممكنا في ثقافتنا نحن وحدها، دون سائر ثقافات البشر قديمها وحديثها؟ غريب عجيب لا محالة.”
“رأس الثقافة هو الدين أو ما كان في معهى الدين”
“وأخطر هذه الألسنة التي تستفزُّ هذا العالم، هي الألسنة التي اتخذت كلمة الإسلام لغوًا على عذباتها.......وأخطر هذه الألسنة التي تستفزُّ هذا العالم، هي الألسنة التي اتخذت كلمة الإسلام لغوًا على عذباتها -أي أطراف الألسنة-، لا لأنَّها أعظم شأنًا وأعزُّ سلطانًا من الألسنة الأخرى، ألسنة المموِّهين باسم الحرية، واسم العلم، واسم الفنِّ، واسم الأخلاق، بل لأنَّها تعمد إلى كتاب أنزله الله بلاغًا للناس، وحكمة أوحيت إلى رسوله لتكون نبراسًا للمهتدين، فتحيلهما إلى معان من أهواء النفوس، التي لا تعرف الحقَّ إلا في إطار من ضلالاتها وأوهامها....ثم يتبعهم التابعون الجاهلون اتباعًا، هو سمعٌ وطاعة، لكن لغير الله ورسوله، بل للزُّور المدلَّس على كتاب الله وسنة رسوله. وإذا هؤلاء المتبعون يعدُّون هذه الضلالة دينًا، ويظنُّون هذا الدين الجديد إحياء للإسلام. وإذا هم يأخذون دينهم من حيث نهوا أن يأخذوا.... يأخذونه عن مبتدع في الدين برأيه، محيل لنصوصه بفساد نشأته، مبدِّل لكلماته بهوى في نفسه، محرِّف للكلم عن مواضعه بما يشتهي وما يحبُّ، مختلس لعواطف الناس بما فيه من حبِّ اتباعهم له، خادع لعقولهم برفعة الإسلام، ومجد الإسلام، وهو لا يبغي الرفعة ولا المجد إلا لنفسه.”