“لا يعرف التاريخُ غيرَ محمد -صلى الله عليه وسلم- رجلاً أفرغَ الله وجودَه في الوجود الإنساني كلِّه، كما تنصبُّ المادة في المادة، لتمتزجَ بها، فتحوّلها، فتحدثَ منه الجديد، فإذا الإنسانية تتحوَّل به وتنمو، وإذا هو -صلى الله عليه وسلم- وجودٌ سارٍ فيها؛ فما تبرح هذه الإنسانية تنمو به وتتحوَّل.”
“وعرفوا به -صلى الله عليه وسلم- تمامَ الرجولة، ومتى تمَّتْ هذه الرجولةُ تمامَها في إنسان، رجعتْ له الطفولةُ في روحه، وامتلك تلك الطبيعةَ التي لا يملكُها إلا أعظمُ الفلاسفة والحكماء فأصبحَ كأنما يمشي في الحياة إلى الجنة بخُطُوات مسدَّدة لا تزيغُ ولا تنحرف، فلا شرَّ ولا رذيلة، ودنياه هي الدنيا كلُّها بشمسها وقمرها، يملكُها وإن لم يملك منها شيئاً، ما دامت في قلبه طبيعةُ السرور، فلا فقرَ ولا غنى مما يشعرُ الناس بمعانيه، بل كل ما أمكن فهو غنىً كاملٌ؛ إذ لم تَعُدْ القوةُ في المادة تزيد بزيادتها وتنقص بنقصها، بل القوةُ في الروح التي تتصرفُ بطبيعة الوجود، وتدفع قوى الجسم بمثل دوافع الطفولةِ الناميةِ المتغلِّبة، حتى لَتَجْعَلُ من النور والهواء ما يؤتَدَمُ به مع الخبز القَفَار، كما يؤتَدَمُ باللحم وأطايبِ الأطعمة.”
“ولما كان الفهم عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم مشروطاً فيه أن يكون على مرادِ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا على حسب الأهواء , كان لِزاماً أن يُنظر في مدلولِ اللفظِ الذي تلفَّظَ به الرسول صلى الله عليه وسلم , حتى يكون فهمُ اللفظِ على مراد الرسول صلى الله عليه وسلم”
“وكانت الحقيقة التي جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلَهم الأعلى، وأقرَّها في أنفسهم بجميع أخلاقه وأعماله - أن الفضائل كلَّها واجبةٌ على كل مسلم لنفسه؛ إذ إنها واجبةٌ بكل مسلم على غيره، فلا تكون في الأمة إلا إرادةٌ واحدة متعاونة، تجعل المسلم وما هو روح أمته تعمل به أعمالها هي لا أعمالَه وحدها.المسلم إنسانٌ ممتدٌ بمنافعه في معناه الاجتماعي حولَ أمته كلِّها، لا إنسانٌ ضيِّقٌ مجتمعٌ حولَ نفسِه بهذه المنافع، وهو من غيره في صدق المعاملة الاجتماعية كالتاجر من التاجر، تقول الأمانة لكليهما: لا قيمةَ لميزانك إلا أن يُصدِّقه ميزان أخيك.”
“فلما صاحوا : " الله أكبر ...! " ...فقال :إن هذه كلمة يدخلون بها صلاتهم، كأنما يخاطبون بها الزمن أنهم الساعة في وقت ليس منه ولا من دنياهم، وكأنهم يعلنون أنهم بين يدي من هو أكبر من الوجود، فإذا أعلنوا انصرافهم عن الوقت وشهوات الوقت، فذلك هو دخولهم في الصلاة؛ كأنهم يمحون الدنيا من النفس ساعة أو بعض ساعة؛ ومحوها من أنفسهم هو ارتفاعهم بأنفسهم عليها ...”
“يا عجبا لضمير المرأة يظل في ليل دامس من ذنوبها ثم تلمع له دمعة طاهرة في عينيها فتكون كنجمة في القطب.. يعرف بها كيف يتجه وكيف كان ظلاله.. وكأن الله ما سلط الدموع على النساء إلا لتكون هذه الدموع ذريعة من ذرائع الإنسانية تحفظ الرقة في مثال الرقة كما جعل البحار في الأرض وسيلة من وسائل الحياة عليها تحفظ الروح والنشاط لها”
“والإنسان إذا استطاع أن يتحد بقضاء الله وقدره فلا يتسخّط أحدهما ولا يتبرّم بأمر الله فقد استطاع بذلك أن يبتسم الابتسام الإلهي الذي يكون علامة نبوّته الإنسانية في هذه الطبيعة.”