“ان ميل الاقليات لدعم دولة علمانية يلتقي مع رغبة النخبة في ابعاد الجمهور عن السياسة والسلطة. وهو لا يتناقض ابدا مع محافظتها على هويتها الدينية او الاقوامية ولكنه يظهر كضامن لهما. بينما تشعر الاغلبية انها فقدت فيه الكثير. هكذا تتهم الاغلبية الاسلامية الاقليات بالتحالف مع الخارج, او مع السلطة العصرية المحلية بهدف خدمة مصالحها الخاصة. ومن المؤكد ان هذه الصورة العامة تحتاج الى التعديل. فمن الجانب غير المسلم كما من الجانب المسلم هناك الكثير من اصحاب التفكير الحر الذين يشعرون انهم تجاوزوا نهائيا هذه الحساسيات وانهم يتفهمون مواقف البعض اواعتراضات الاخرين ويسلكون تجاههم سلوكا يتسم بالالتزام القومي وبالحرص على الوحدة وتجاوز الاختلاف. ومع ذلك فهذا لا يغير شيئا من حقيقة المشكلة. فالأمة لا يكونها القلة من اصحاب التفكير الحر, ولكنها تتكون من الاغلبية التي ما تزال في وعيها حبيسة "الاحكام المسبقة" المتبادلة في هذا الموضوع, اي انها تميل الى ردود الافعال الطائفية التي تعكس تفوق الالتزام بمصالح الجماعة الدينية او الاقوامية على المصالح الطبقية او القومية.”
“ووحدة التشكيلة الاجتماعية التقليدية الموروثة بقيت عندنا في الواقع هشة نسبيا خاصة عند التماس بمتطلبات المجتمع العصري القائم على علاقة تنكر تدخل الدين في السياسة وتقيم الوحدة القومية على اسس وضعية منافية في جوهرها لوحدة الاعتقاد. بينما كانت الوحدة التقليدية الموروثة مبنية اساسا على الانتماء الجماعي الى مثال اعلى واحد ومشترك هو الذي يحدد وسائل واساليب الكلام والعمل. وعلى الذين لا يتفقون في اعتقادهم مع هذا المثال او لا يوافقون عليه ان يخرجوا من الجماعة او ان يخضعوا لقوانينها, اي لقانون الاغلبية. فالاغلبية هنا ليست عددية سياسية وانما اغلبية دينية ثابتة وغير قابلة للتغيير. بينما الاغلبية السياسية في الانظمة الحديثة ممكنة التغيير طالما انها لا تقوم على ثبات الاعتقاد. اي باختصاد ما كان يمكن للاقلية "الصابئة" ان تصبح اغلبية في الدولة الاسلامية. بينما يمكن للاشتراكية ان تصبح اغلبية سياسية في النظام الليبرالي الحديث.”
“التحرر من" ليس متطابقا مع الحرية الايجابية, "الحرية لـ " ان بزوغ الانسان من الطبيعة هو عملية طويلة مستخلصة, انه الى حد كبير يظل مقيدا بالعالم الذي منه ظهر, انه يظل جزءا من الطبيعة - التربة التي يعيش عليها, الشمس والقمر والنجوم, الشجر والازهار, الحيوانات, ومجموع الناس الذين يرتبط معهم بروابط الدم.والادباء البدائية شاهد على شعور الانسان بتوحده مع الطبيعة. فالطبيعة الحية وغير الحية جزء من عالمه الانساني, او كما يمكن للانسان ان يضع الامر, انه لا يزال جزءا من العالم الطبيعي.هذه الروابط الاولية تسد الطريق امام تطوره الانساني الكامل, انها تقف في طريق تطوير عقله وقدراته النقدية, انها لا تدعه يعرف نفسه والآخرين الا من خلال وسيط مشاركته او مشاركتهم في قبيلة او جماعة اجتماعية او دينية لا كبشر, بقول آخر, انها تقف عقبة في طريق تطوره كفرد حر محدد لذاته منتج. ولكن بالرغم من هذا الجانب, هناك جانب آخر. هذا التوحد مع الطبيعة والقبيلة والدين يعطي الفرد امانا. انه يمت الى, انه مغروس في كل مبنى يكون فيه مكان لا جدال فيه. انه قد يعاني من الجوع او القهر, لكنه لا يعاني من اسوأ الآلام, الوحدة الكاملة والشك الكامل.”
“لا تنشأ مشكلة الاقلية الا عندما تكون هناك مشكلة اغلبية. اي عندما تعجز طبقة اجتماعية واسعة عن تحقيق مواطنيتها في الدولة وتفشل في تغيير هذه الدولة فتنكفئ الى حل مشكلتها, ليس على صعيد المجتمع السياسي لكن على صعيد المجتمع المدني, اي في اطار السلطة التي تملكها والواقعة غير الرسمية. وهذا ما يستدعي دراسة نشوء العصبوية من جهة, اي المجتمع المدني المستقل عن المجتمع السياسي والذي لا يجد فيه مرآته, وان تنشأ من جهة اخرى فكرة الجماعة غير القومية او المتميزة عن الاغلبية والرافضة لمثالها الاعلى.”
“الجماعة تتكون من قوى اجتماعية وسياسية وثقافية متعددة ومتعارضة بالضرورة والا لما كان هناك حاجة لا للسياسة ولا الثقافة. وبقدر ما تستطيع الجماعة ان تجد حلولا للتناقضات التي تختمر في حجرها, تستطيع ان تقيم وحدتها السياسية والثقافية. لكن هذه الحلول ليست متماثلة دائما. فيمكن لوحدة الجماعة ان تستند الى غلبة فئة على الفئات الاخرى. واكثر الاشكال تجسيدا لذلك هو الحكم الاجنبي. وآلية الاستعمار الاجنبي والاستعمار الداخلي واحدة في الحقيقة. الا ان هذه الوحدة المفروضة بالغلبة لا تستطيع ان تقاوم المعارضة الداخلية الى ما لا نهاية, واذا حدث ونجحت في مقاومتها هذه فرضت على الجماعة التقهقر الكامل والفناء. والجماعة التي تستطيع ان تقيم وحدتها على اجماع قومي يعكس قبول الاغلبية للسلطة القائمة وانتمائها الطوعي للقيم الثقافية السائدة هي التي تتحول الى امة, حيث تتوثق وتتعمق روابط الجماعة السياسية والثقافية ويتغلب عامل التضامن والتكاتف الداخلي على عامل التفرقة والانقسام والمواجهة. وجوهر هذا الاجماع ثقافيا كان ام سياسيا هو اشراك الاغلبية في السلطة, اي في صياغة القرارات التي تتعلق بمصلحة الجماعة ككل. ويزول الاجماع بزوال المشاركة وبظهور الاستبعاد الثقافي او السياسي. ونوع هذا الاستبعاد للفئات المكونة للجماعة هو الذي يحدد شكل الاستبعاد القائم.”
“ما اثار اهتمامي في حواراتي مع السياسيين، ان من يبدأ يسارياً او قومياً يظل محسوباً على اليسار او القومية العربية حتى لو أصبح مليونيراً او صار من أركان الحكومة!”