“الصعوبة الخاصة في ادراك الى اي مدى لا تكون فيه رغباتنا -وافكارنا ومشاعرنا بالمثل- حقا رغباتنا بل وُضعت فينا من الخارج مرتبطة ارتباطا وثيقا بمشكلة السلطة و الحرية. في سيرورة التاريخ الحديث حلت محل سلطة الكنيسة سلطة الدولة وحلت محل سلطة الدولة سلطة الضمير وفي حقبتنا الراهنة حلت محل سلطة الضمير السلطة المجهولة للحس المشترك العام والرأي العام كأدوات للتطابق. ولاننا قد حررنا انفسنا من الاشكال الصريحة القديمة للسلطة فاننا لا نتبين اننا اصبحنا فريسة نوع جديد للسلطة. لقد اصبحنا آلات آلية نعيش في ظل وهم الافراد ذوي الارادة الذاتية. هذا الوهم يساعد الفرد على ان يظل غير مدرك لعدم زعزعته, ولكن هذا هو كل العون الذي يستطبع وهم ان يمنحه. ونفس الفرد ضعيفة اساسا, حتى انه يشعر بالعجز والزعزعة الشديدية. انه يعيش في عالم فقد فيه التعلق الاصيل به والذي فيه قد اصبح كل شيء وكل شيء مصطبغا بصبغة الاداة التي تؤدي عملها بلا تفكير حيث اصبح جزءا من آلة بنتها يداه. انه يفكر ويشعر ويريد ما يعتقد انه مفروض فيه ان يفكر فيه ويشعر به ويريده, وفي هذه العملية ذاتها يفقد نفسه التي عليها يجب ان ينبني كل أمان أصيل لفرد حر.”
“والسلطة ليس من الضروري ان تكون شخصا او مؤسسة تقول: عليك ان تفعل هذا او انت ليس مسموحا لك بذاك.فبينما قد يسمى مثل هذا النوع للسلطة بالسلطة الخارجية, يمكن للسلطة ان تظهر كلسطة باطنية, تحت اسم الواجب او الضمير او الانا الاعلى. وكحقيقة واقعة, فان تطور التفكير الحديث من البروتستنتانية الى فلسفة كانت يمكن ان يتصف بانه احلال للسلطة الباطنية محل السلطة الخارجية . فمع الانتصارات السياسية للطبقة الوسطى الصاعدة, فقدت السلطة الخارجية مكانتها واحتل ضمير الانسان المكان الذي كانت تشغله السلطة الخارجية. ولقد بدا هذا التغير للكثيرين على انه انتصار الحرية. ان الخضوع للاوامر من الخارج (على الاقل في المسائل الروحية) بدا غير جدير بالانسان الحر, ولكن قهر متضمناته الطبيعية واقامة هيمنة على جانب من الفرد, طبيعته, عن طريق جانب آخر, عقله او ارادته او ضميره, يبدو انه الماهية القصوى للحرية. ان التحليل يبين ان الضمير يحكم بقوة مثله في هذا مثل السلطات الخارجية تماما, بل الازيد من هذا انه كثيرا ما تكون محتويات الاوامر الصادرة عن ضمير الانسان غير محكومة بالمرة بمطالب النفس الفردية بل بالمطالب الاجتماعية التي تفرض كرامة المعايير الخلقية. ان حكم الضمير يمكن حتى ان يكون اشد قسوة من السلطات الخارجية نظرا لان الفرد يشعر بأوامره على انها اوامره هو, فكيف يمكن ان ينمرد ضد نفسه ؟”
“التحرر من" ليس متطابقا مع الحرية الايجابية, "الحرية لـ " ان بزوغ الانسان من الطبيعة هو عملية طويلة مستخلصة, انه الى حد كبير يظل مقيدا بالعالم الذي منه ظهر, انه يظل جزءا من الطبيعة - التربة التي يعيش عليها, الشمس والقمر والنجوم, الشجر والازهار, الحيوانات, ومجموع الناس الذين يرتبط معهم بروابط الدم.والادباء البدائية شاهد على شعور الانسان بتوحده مع الطبيعة. فالطبيعة الحية وغير الحية جزء من عالمه الانساني, او كما يمكن للانسان ان يضع الامر, انه لا يزال جزءا من العالم الطبيعي.هذه الروابط الاولية تسد الطريق امام تطوره الانساني الكامل, انها تقف في طريق تطوير عقله وقدراته النقدية, انها لا تدعه يعرف نفسه والآخرين الا من خلال وسيط مشاركته او مشاركتهم في قبيلة او جماعة اجتماعية او دينية لا كبشر, بقول آخر, انها تقف عقبة في طريق تطوره كفرد حر محدد لذاته منتج. ولكن بالرغم من هذا الجانب, هناك جانب آخر. هذا التوحد مع الطبيعة والقبيلة والدين يعطي الفرد امانا. انه يمت الى, انه مغروس في كل مبنى يكون فيه مكان لا جدال فيه. انه قد يعاني من الجوع او القهر, لكنه لا يعاني من اسوأ الآلام, الوحدة الكاملة والشك الكامل.”
“انه حاتم نفس الشخص الذي سبق ان استجوبه، فاجأه هذا الاكتشاف و صدمه في نفس الوقت، فقد اعتقد ان النظام الجديد قد قام بتغيير رجاله. يالها من سذاجة! كان عليه ان يدرك شيئا بالغ البساطة و هو ان سلطة الشرطة الدائمة هي في امتثالها لكل الانظمة”
“ان اطروحة هذا الكتاب هي ان الحرية لها معنيان بالنسبة للانسان الحديث: لقد تحرر من السلطات التقليدية واصبح "فردا", لكنه في الوقت نفسه اصبح منعزلا عاجزا وأداة للاغراض القائمة خارجه وانه اغترب عن نفسه وعن الآخرين. زيادة على ذلك, ان هذه الحالة تقوّض نفسه وتضعفه وترعبه, وتجعله مستعدا للخضوع لانواع جديدة من القيد. اما الحرية الايجابية من جهة اخرى فهي متطابقة مع التحقق الكامل لامكانيات الفرد مع قدرته على ان يحيا بشكل ايجابي وتلقائي. لقد وصلت الحرية الى نقطة حرجة عندها -وهي مدفوعة بمنطق ديناميتها- تهدد بالتغير الى نقيضها. ان مستقبل الديمقراطية انما يتوقف على تحقق النزعة الفردية التي ظلت الهدف الايديولوجي للفكر الحديث منذ عصر النهضة. ان الازمة الحضارية والسياسية في ايامنا هذه لا ترجع الى ان هناك افراطا في النزعة الفردية بل ترجع الى ان ما نعتقد انه نزعة فردية قد اصبح قوقعة فارغة.ان انتصار الحرية ليس ممكنا الا اذا تطورت الديمقراطية الى مجتمع فيه يكون نمو وسعادة الفرد هما هدف وغرض الحضارة, وفيه لا تحتاج الحياة الى تبرير للنجاح او اي شيء آخر, وفيه لا يكون الفرد تابعا ومُستغلا من جانب اية قوة خارجه سواء كانت الدولة او الجهاز الاقتصادي, واخيرا مجتمع لا تكون فيه المثل والضمير التبطّن للمطالب الخارجية, بل تكون حقا مثله وضميره "هو" وتعبر عن الاهداف النابعة من تفردية نفسه.وهذه الاهداف لم تتحقق تماما في اي فترة سابقة من التاريخ الحديث, وهي يجب ان تظل الى حد كبير الاهداف الايديولوجية, وذلك لان الاساس المادي لتطور النزعة الفردية الاصيلة ناقص. لقد خلقت الرأسمالية هذه المقدمة, وحلّت مشكلة الانتاج -من ناحية المبدأ على الأقل- ونحن نستطيع ان نتخيل مستقبلا للوفرة لا يعود فيه النضال من اجل الامتيازات الاقتصادية مدفوعا بالندرة الاقتصادية. ان المشكلة المواجهين بها اليوم هي مشكلة تنظيم القوى الاجتماعية والاقتصادية حتى يمكن للانسان -كعضو في مجتمع منظم- ان يصبح سيد تلك القوى ويكف عن ان يكون عبدا لها.”
“المأزق اننا -لا شعوريا و لا اراديا- نبالغ في توقع ردود افعال الاخرين بشكل غير منطقي ، ننزل انفسنا بمنزلة متضخمة ، نعتقد ان لافعالنا، كلماتنا، غيابنا، حضورنا تأثيرا مبالغا فيه، رغم انه لا شيء يطرأ على الكون، نتوقع ان يقضي الاخرون نحبهم لكارثة حلت بنا، لفقد عزيز لدينا، لتأخر دراسي، او لأي نائبة من نوائب الدهر”