“وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78)الإشارة : اعلم أن المنكرين على أهل الخصوصية ثلاث فرق : أهل الرئاسة المتكبرون ، والفقهاء المتجمدون ، والعوام المقلدون ، يصدق عليهم قوله تعالى : وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ إذ لا علم عندهم يميزون به المحق من المبطل ، وإنما هم مقلدون ، فوزرهم على من حرمهم بركة الاعتقاد ، وأدخلهم فى شؤم الانتقاد ، ولقد أحسن «ابن البنا» حيث قال فى شأن أهل الإنكار : واعلم رعاك الله من صديق أنّ الورى حادوا عن التحقيقإذ جهلوا النفوس والقلوب وطلبوا ما لم يكن مطلوباواشتغلوا بعالم الأبدان فالكلّ ناء منهم ودانوأنكروا ما جهلوا وزعموا أن ليس بعد الجسم شىء يعلموكفّروا وزندقوا وبدّعوا إذا دعاهم اللّبيب الأورعكلّ يرى أن ليس فوق فهمه فهم ولا علم وراء علمهمحتجبا عن رؤية المراتب علّ يسمى عالما وطالبهيهات هذا كلّه تقصير يأنفه الحاذق والنّحرير”
“فإن علم تفسير القرآن من أجلّ العلوم ، وأفضل ما ينفق فيه نتائج الأفكار وقرائح الفهوم ، ولكن لا يتقدم لهذا الخطر الكبير إلا العالم النّحرير ، الذي رسخت أقدامه فى العلوم الظاهرة ، وجالت أفكاره فى معانى القرآن الباهرة ، بعد أن تضلّع من العلم الظاهر ، عربية وتصريفا ولغة وبيانا ، وفقها وحديثا وتاريخا ، يكون أخذ ذلك من أفواه الرجال ، ثم غاص فى علوم التصوف ذوقا وحالا ومقاما ، بصحبة أهل الأذواق من أهل الكمال ، وإلا فسكوته عن هذا الأمر العظيم أسلم ، واشتغاله بما يقدر عليه من علم الشريعة الظاهرة أتم.واعلم أن القرآن العظيم له ظاهر لأهل الظاهر ، وباطن لأهل الباطن ، وتفسير أهل الباطن لا يذوقه إلا أهل الباطن ، لا يفهمه غيرهم ولا يذوقه سواهم ، ولا يصح ذكره إلا بعد تقرير الظاهر ، ثم يشير إلى علم الباطن بعبارة رقيقة وإشارة دقيقة ، فمن لم يبلغ فهمه لذوق تلك الأسرار فليسلّم ، ولا يبادر بالإنكار فإنّ علم الأذواق من وراء طور العقول ، ولا يدرك بتواتر النقول.”
“اعلم أن قاعدة تفسير أهل الإشارة هى أن كل عتاب توجه لمن ترك طريق الإيمان ، وأنكر على أهله يتوجه مثله لمن ترك طريق مقام الإحسان ، وأنكر على أهله. وكل وعيد توعد به أهل الكفران يتوعد به من ترك السلوك لمقام الإحسان ، غير أن عذاب أهل الكفر حسى بدني ، وعذاب أهل الحجاب معنوى قلبى.فنقول فيمن رضى بعيبه وأقام على مرض قلبه وأنكر الأطباء ووجود أهل التربية : بئسما اشتروا به أنفسهم ، وهو كفرهم بما أنزل اللّه من الخصوصية على قلوب أوليائه بغيا وحسدا ، أو جهلا وسوء ظن ، أن ينزل اللّه من فضله على”
“يقول سبحانه : يا من هو منى قريب ، تدبر سرّى فإنه غريب ، أنا المحب ، وأنا الحبيب ، وأنا القريب ، وأنا المجيب ، أنا الرحيم الرحمن ، وأنا الملك الديان ، أنا الرحمن بنعمة الإيجاد ، والرحيم بتوالي الإمداد. منّى كان الإيجاد ، وعلىّ دوام الإمداد ، وأنا رب العباد ، أنا الملك الدّيان ، وأنا المجازى بالإحسان على الإحسان ، أنا الملك على الإطلاق ، لو لا جهالة أهل العناد والشقاق ، الأمر لنا على الدوام ، لمن فهم عنا من الأنام.”
“وقال الشيخ أبو العباس المرسى رضى اللّه عنه : (لا يدخل على الله إلا من بابين ، أحدهما : الموت الحسى ، وهو الموت الطبيعي ، والآخر : الموت الذي تعنيه هذه الطائفة). ه. وهو موت النفوس ، فمن لم تمت نفسه لم تحيى روحه.”
“سورة البقرة (2) : آية 54]وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)الإشارة : ما قاله سيدنا موسى عليه السّلام لقومه ، يقال مثله لمن عبد هواه ، وعكف على متابعة دنياه : يا من بخس نفسه بإرخاء العنان فى متابعة هواها ، حتى حرمها من مشاهدة جمال مولاها ، تب إلى ربك ، وانتبه من غفلتك ، واقتل نفسك بمخالفة هواها ، فلعلها تحيا بمشاهدة مولاها ، فما دامت النفس موجودة ، وحظوظها لديها مشهودة ، وآمالها ممدودة ، كيف تطمع أن تدخل حضرة اللّه ، وتتمتع بشهود جماله وسناه؟!إن ترد وصلنا فموتك شرط لا ينال الوصال من فيه فضله إن ترد وصلنا فموتك شرط لا ينال الوصال من فيه فضله”
“وقال الحلاج فى هذا المعنى : لم أسلم النفس للأسقام تتلفها إلّا لعلمى بأنّ الوصل يحييهاوقال أيضا : اقتلوني يا ثقاتى إنّ فى قتلى حياتىوحياتى فى مماتى ومماتى فى حياتىأنا عندى : محو ذاتى من أجلّ المكرماتوبقائى فى صفاتى من قبيح السيّئات”