“جاء الغسالون. حملوا جسده بحذر شديد حتى لا تتهشم أعضاؤه. وعندما وضعوا الماء عليه ازدادت زرقته كأنه قطعة من المحيط البعيد. وتمتم الغسال مدهوشا: لم أر جسدا بهذه الزرقة! كأنه طفل سماوي! وواصلت عزة رب اللبن. شاهدته يتخثر ويتحول إلى قطع داكنة. تذكرت بيتا قاله كثير ذات مرة: وقد زعمَت أني تغيرتُ بعدها.. ومن ذا الذي يا عزُّ لا يتغيرُ؟”
“أخذ (كثير) يهذي، و(عزة) كانت جالسة في خيمة بعيدة بينهما صحراوات مقفرة، وحبال محبة متقطعة. كانت ترب اللبن في زق من الجلد، وتفصل عنه السمن، وتغسل ملابس زوجها، وتعاني من اضطرابات الهضم التي تصاحب الحمل. يسألونها عن الأشعار التي قالها (كثير) فيها فتكتشف أنها نسيت معظمها. كان الحب إغماءة قصيرة تبعتها يقظة قاسية. تدخل على أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فيهتف مدهوشا: أنت عزة كثير؟! ما الذي أعجبه منك؟! فترد على الفور: أعجبه مني ما أعجب المسلمين منك حين صيروك خليفة!”
“كانت (عزة) تضع أناملها على جبهة (كثير) وتهمس مدهوشة: من الذي يصدق أنني سوف أحبك مثل حبك لي؟! كانت في الصحراء بئر بعيدة، إذا شرب منها عاشقان لا يفترقان. ذهبا يبحثان عنها وسط الشعاب فضلا الطريق. وعندما وصلها .. كان وحيدا. وكانت (عزة) قد تزوجت من رجل آخر لا يقول شعرا، ولا يحلم ببئر المحبة، لكنه طويل عريض مثل كل الرجال.”
“السلطان الغورى كان يتذمر دائما و هو يقول الخزائن فارغة يا مشايخ و الجند طلباتهم كثيرة .. فيتوسل اليه المشايخ قائلين ( و الناس مساكيين يا مولاى و عيالهم كثيرة ) ..فيهمهم السلطان كأنه يشكو ذات نفسه (العيال لا يملكون الا البكاء .. و لكن الجند يلعبون بالسيوف و المكاحل يا مشايخ )”
“كان خفيفا.. كأنه لم يعش يوما و لم يهنأ يوما”
“ما بقي يحتاج إلى قدر كبير من الشجاعة حتى أستعيده من لفائف الذاكرة ,أنه حملي الأكبر وسري الأعظم ولكنك غريب، الغريب بئر لا قرار له، رب يسر وأعن.”
“أتعرف ذلك الشعور بالأسى ؟ذلك الشعور الذي لا يعطيك متنفسا لأحزانك ..لا يجعلك قادرا على العويل أو التفجع أو الصراخ ..إنه يحول كل ذلك إلى موات ...موات لخلايا داخل الجسم ...لا تعود للتجديد مرة أخرى ..أنه الفقدان ...شعور قاس لا يعوض”