“إن القرآن ليس كتاب نظريات علمية و لم يجئ ليكون علماً تجريبياً كذلك. إنما هو منهج للحياة كلها. منهج قويم لتقويم العقل ليعمل و ينطلق في حدوده. و لتقويم المجتمع ليسمح للعقل بالعمل و الانطلاق. دون أن يدخل في جزئيات و تفصيليات عملية بحتة. فهذا متروك للعقل بعد تقويمه و إطلاق سراحه.”
“نزول الكتب على الرسل ليس بدعة مستغربة فهاهما ذان موسى و هارون آتاهما الله كتاباً.و يسمى هذا الكتاب (الفرقان) و هي صفة القرآن. فهناك وحدة حتى في الاسم. ذلك أن الكتب المنزلة كلها فرقان بين الحق و الباطل، و بين الهدى و الضلال، و بين منهج في الحياة و منهج، و اتجاه في الجياة و اتجاه. فهي في عمومها فرقان. و في هذه الصفة تلتقي التوراة و القرآن.”
“و ليس كذلك صاحب الدعوة المحددة، الذي يريد تحقيقها في عالم الواقع و دنيا الناس. فلصاحب الدعوة هدف، و له منهج، و له طريق. و هو يمضي في طريقه على منهجه إلى هدفه مفتوح العين، مفتوح القلب، يقظ العقل؛ لا يرضى بالوهم، و لا يعيش بالرؤى، و لا يقنع بالأحلام، حتى تصبح واقعاً في عالم الناس.”
“إنه لا جدوى من المحاولات الجزئية حين يفسد المجتمع كله و حين تطغى الجاهلية و حين يقوم المجتمع على غير منهج الله و حين يتخذ له شريعة غير سريعة الله، فينبغي حينئذ أن تبدأ المحاولة من الأساس و أن تنبت من الجذور و أن يكون الجهد و الجهاد لتقرير سلطان الله في الأرض.. و حين يستقر هذا السلطان يصبح الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر شيئا يرتكن إلى أساس”
“إن الحكومة الإسلامية لا تقوم إلا إذا اقتنع الناس أو غالبيتهم بالصورة التي يرسمها الإسلام للحياة، و عرفوا كيف تكون حياتهم و علاقاتهم و حقوقهم و واجباتهم و تكاليفهم كلها لو قامت حياة إسلامية. و لا يكفي أبداً أن ندعوهم اليوم إلى الإسلام في اختصار و إجمال كما كان يدعوهم الرسول صلى الله عليه و سلم، ففي ذلك الزمان لم تكن هنالك نظريات اجتماعية مفصلة تقابل الدعوة الإسلامية. و ما دامت للإسلام نظريات أكثر تقدماً من كل ما عرفته البشرية اليوم، فلماذا لا نعرض للناس هذه النظريات مطبقة على الحياة الحاضرة بكل علاقاتها و ملابساتها و حاجاتها، حين ندعو الناس إلى الإسلام؟”
“إن الحق في هذا القرآن لبين؛ و إن حجة هذا الدين لواضحة، فما يتخلف عنه أحد يعلمه إلا أن يكون الهوى هو الذي يصده. و إنهما لطريقان لا ثالث لهما: إما إخلاص للحق و خلوص من الهوى، و عندئذ لا بد من الإيمان و التسليم. و إما مماراة في الحق و اتباع للهوى فهو التكذيب و الشقاق. و لا حجة من غموض في العقيدة، أو ضعف في الحجة، أو نقص في الدليل. كما يدعي أصحاب الهوى المغرضون.”
“هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائماً. محاولة إغرائهم لينحرفوا- و لو قليلاً - عن استقامة الدعوة و صلابتها. و يرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة. و من حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هيناً، فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق. و قد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور أن خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها و لو بالتنازل عن جانب منها!و لكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق. و صاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها و لو يسير، و في إغفال طرف منها و لو ضئيل، لا يملك أن يقف عند ما سلم به أول مرة. لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء!و المسألة مسألة إيمان بالدعوة كلها. فالذي ينزل عن جزء منها مهما صغر، و الذي يسكت عن طرف منها مهما ضؤل، لا يمكن أن يكون مؤمنا بدعوته حق الإيمان. فكل جانب من جوانب الدعوة في نظر المؤمن هو حق كالآخر. و ليس فيها فاضل و مفضول. و ليس فيها ضروري و نافلة. و ليس فيها ما يمكن الاستغناء عنه، و هي كل متكامل يفقد خصائصه كلها حين يفقد أحد أجزائه. كالمركب يفقد خواصه كلهاإذا فقد أحد عناصره! و أصحاب السلطان يستدرجون أصحاب الدعوات. فإذا سلموا في الجزء فقدوا هيبتهم و حصانتهم، و عرف المتسلطون أن استمرار المساومة، و ارتفاع السعر ينتهيان إلى تسليم الصفقة كلها!”