“سقط الدَّليل مسربلاً بجراحه، والرُّوح هامت، قال يا أرض ابلعي سيل الدِّماء، ويا سماء تفتَّحت أوراقُ جرحي، أقلعي . .فيض الزَّمان المُشتَهى، والأرض نامت فوق صدري، أقلِعيرحل الدَّليل إلى الدَّليل، وكلُّ أَبوابِ المَدينة أُقفِلَت، كُلُّ البِنايات العتيقة، والشَّوارع، والحواري، والمقاهي، والمساجد، والمتاحف، والكنائس، والحدائق، أنكرتني، كلُّ شيء في المدينة كان غيري، كلُّ شيء ليس لي أو ليس مِنِّي. هكذا تبدو المدينة بعد ترحال المُغنِّي: مومسٌ في ثوب أُنثى، كُلَّما أَوغلتَ أبعد في العناصر لم تجد في الرُّوح إلاّ خيبة الحبِّ المؤجَّل في السَّعير.حزب للسَّاقطين من أعالي الجبال إلى عمق المدينة نحو سقف السَّيل، أو مقهى السنترال أو سينما ريفولي، أو باحة المسجد الحسينيِّ الكبيرحزب للبائعينَ الضَّائعين الَّذين يوزِّعون طوال العام الشَّتائم والشَّكوىحزب للهاربين من براثن القانون إلى قانون جديدحزب للخائبين الضَّالعين في وهم البقاء على قيد الحياة”
“الحاسة صفر0000 من كان بوسعه أن يخرجني من الموت؟ "حين يصمت النَّاس، يصبح العالم بأمسِّ الحاجة إلى تصفيقك أنت، لماذا تصمت حين يصمتون؟ لماذا تصمت في الوقت الَّذي يكون العالم بأمسِّ الحاجة إلى تصفيقك أنت؟ لماذا تصمت؟ حين يسقط النَّاس، يصبح العالم بأمسِّ الحاجة إليك كي تمدَّ يدك لهم وترفعهم للأعلى. الكون بحاجة دائماً إلى رجلٍ واحد، رجلٍ واحد هو الَّذي يغيِّر دائماً وجه الكون، هكذا، حين ملأت الظُّلمة الغابة ذات يوم وكان على النَّاس أن يعبروا الغابة إلى الطَّرف الآخر، وجدت رجلاً واحداً فقط مستعدَّاً للتَّضحية، نزع قلبه من بين ضلوعه وأنار به الطَّريق، وسار بهم حتَّى عبروا الغابة، ومات، ذلك الرَّجل هو دائماً أنا!". هكذا كتب وحيد في دفتره الصَّغير بخطٍّ دقيق ذات يوم بعد خروجه من بيروت، قرأت ما خطَّت يداه فتذكَّرته، وبكيت... أي وحيد، أين أنت؟ بكيته وأنا أتذكَّر نفسي. كم سقطتُ في بئر الهزيمة! كم صمتُّ في بئر الهزيمة، كم صغُرت! كيف يمكن لي أن أُصفِّق، كيف يمكن لي أن أخرج من بئر الهزيمة؟ كان عليَّ أن أجد طريقة في زمان الصَّمت والاستسلام والسُّقوط كي أقف على قدميَّ. لكنَّ الدُّنيا كانت قد أغلقت أبوابها في وجه من هم مثلي، كان عليَّ أن أنتزع قلبي من بين ضلوعي وأسير به أمام النَّاس كي أُضيء الطَّريق، كيف؟ كنت أتساءل في زمن الردَّة، زمن السُّقوط . .”
“كُلُّ مَن يَموتُ وهوَ في أَوجِ عَطائِهِ يُحدِثُ فَراغاً يؤدّي إلى اضطرابٍ ما يُخلخِلُ هذا الكَون”
“شهادة- الحاسَّةُ صفر –هي لعبةُ كلماتٍ متقاطعةٍ، أَعني لعبةَ دوالٍّ وتوالدٍ للمفاهيمِ والمفردات، من أَوَّلِ السَّطرِ حتَّى ما يُسمَّى في الرياضيَّات بالملانهاية.لا حقيقَةَ ثابتةٌ أَبداً، وكلَّما شعرت بأَنَّك أَمسكت بالحقيقةِ بينَ يديك اكتشفت أَنَّ الحقيقةَ سراب، ستجدُ دائماً أَنَّ أَبوابَ الوَهمِ بلا نهايةٍ، وأَنَّك تدخُلُها، وتَخرجُ منها، وتدخُلها دون أَن تشعر بفرقٍ بين الحَقيقةِ والوَهم.لا ثوابتَ، لا يقينَ، ومن هُنا عليك أَن تبدأَ بالشكِّ بكلِّ الحَقائِقِ الَّتي ساقوها لكَ ذات يومٍ على أَنَّها حقائق. حتَّى اسمك أنت، حتَّى نظريات أَفلاطون، وأرسطو طاليس الَّتي بُنيت عليها مُعظم حضارة الإنسانيَّة.كُلُّ حقيقة في هذا الكون متأرجحة، كلُّ مصطلح في القاموس لا يحيلك إلاّ إلى مُصطلحٍ آخر، وهكذا ضمن دائرة لا بداية لها ولا نهاية، فأَينَ الحقيقَةُ إذاً؟من بوسعه أَن يُثبت صحَّة روايةِ التَّاريخِ؟الحاسَّة صفر هي حاسَّة الَّذين لا يملكون موصلاً طبيعيَّاً مع هذا الكونِ يستطيعُ أَن يأَخذ الحقائق كمسلَّمات، ثمَّة قطعٍ قاتلٍ عبرناه دون الإشارةِ إليه، وكان علينا أَن نقولَ أَنَّ الزَّمن قد توقَّف هُنا، وأنَّ المكان لم يكُن موصلاً للكَهرُباءِ، وأَنَّ المسأَلَةَ بحاجةٍ إلى خُطوتين للِخَلف، كَي نَعودَ إلى أَوَّل الأَشياءِ مِن جديدٍ، وَنَختارَ، ونُحَدِّدَ الهُويَّة.نحن أَيضاً أَتقنَّا الكتابَةَ على الماء دونَ أَن نَسأَلَ عن سرِّ ارتباطِ الماءِ بالحَياة.أَصنَعُ مِنَ الطِّينِ طيراً، يَسأَلُني: أَوَلم تُؤمنُ أَقولُ بلى ولكن ليطمَئنَّ قَلبي، يَقولُ : انظر إلى الجبلِ فَلا أَرى سِوى سَيلٍ منَ الحِجارَة البَكماء.وَرِثتُ خِصلَةَ الصَّمتِ مِن حارِسِ الكَلامِ، كانَ يَعرِفُ انِّي كنتُ شاهداً على المَجزَرةِ، وأَنَّ بيريز كان شاهداً على الموتِ لا على الحياة.كَيفَ يُمكِنُ لخطَّين مُستَقيمَينِ أَن يلتقيا دون ليِّ رأَس أَحدِهما – أَعني الرَّأسَ الفِلسطينيَّ – باتِّجاهِ الآخر.لَيلى كانت صورَةَ الموتِ القابِلِ للحياةِ.وبَيروتُ كانت خطَّ الدِّفاعِ الأَخيرِ عَنِ الحياة.وشيمون بيريز كان كاهناً ترك الصَّومعةَ كي يبني قبراً يليقُ بعليٍّ عَلى أَبوابِ خَيبر.والتَّاريخُ ما يكتبهُ القاتِلُ عنِ الضَّحيَّةِ.والمَثقَّفُ هو من يجرؤُ عَلى ذكرِ عُيوبِ الجَنَّةِ، ومن يحاولُ أَن يَكتبَ تاريخاً حقيقيَّاً يسير بموازاة التَّاريخِ الكاذِب، ويكون قادراً على أَن يُتقنَّ فنَّ الموتِ مثلَما أَتقنَ فنَّ الحياة.اللَّهم اشهد فإنّي قد بلَّغت.اللَّهم اشهد فإنّي قد بلَّغت.”
“ما هو بديهي في الريف، هدوء الليل الذي هو لابن المدينة شيء عجيب. فمن يخرج من مدينة ويأتي إلى ضيعة أو إلى مزرعة ويقف في المساء الأول إلى النافذة أو يستلقي في السرير، فإنّ هذا الهدوء يلفّه مثل سحر الوطن أو مرفأ السكينة لكأنه يقترب من الشيء الحقيقي والسليم ويحس بهبوب الشيء الأزلي.”
“نحن أبناء المدينة عندما نواجه مجتمعاً آخر، غير المجتمع الذي اعتدنا عليه، نحوله في رؤوسنا إلى وهم، أو قصة أو فيلم أو أسطورة”
“التصوف:علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك أو غيبة الخلق في شهود الحق أو مع الرجوع إلى الأثر. في أوله علم ووسطه عمل وآخره موهبة.واشتقاقه إما من الصفاء لأن مداره على التصفية أو من الصفة. لأنها تصاف بالكملات أو من صفة المسجد النبوي لأنهم مشبهون بأهل الصفة في التوجه والانقطاع أو من الصوف لأن جل لباسهم الصوف تقللا من الدنيا وزهدا فيها”