“قَسَمَاً بِالمُتْقَنِ؛ بالأوتادِ، بمياهِ النهرِ التي، بسُلوكِ رملٍ طفيفِ الكثافة، تتداركُ بعضَها كأخطاء؛ لَمْ تكونا سوى خَلِيصَيْن، أنتَ وعَالُوس. نشأتما بالقرب من ساحةِ الغُرَباء، حيث خُتِمَت على قلبكم الغُرْبَة الغَرِيبة، وكَبُرْتُما على المحاذير: كُلكم؛ لا تُخَالِطُوا البَيَادِقةَ فالهلاك. لا تلعبوا بجوار صخرةِ الفجوات. لا تَدْخُلُوا مضائق سين. ولا يَكْتُبَنْ أحدُكم اسْمَه بطبشور الإقامةِ كي لا يُمْسَخَ بَيْدَقياً أو صرصاراً. عَلَّمَتْكُم المدارسُ المجهولةُ في بلادِ البَيَادِقَة ما اعْتُبِرَ ضرورياً للنّشأةِ، من علوم زينون الأيلي وعفاريت أم بُقْبُق؛ الحركةُ مستحيلة، الزّمنُ خرافةٌ ضروريَّة، لا بُدَّ مِن أخْذِ الأبَد والممكن والآلة الحاسبة في الحقيبة، ولا بُدَّ مِن ثَنْيِ اللّفافات جيّداً كي لا يتدحرج منها صبرٌ أو اثنان بدَرْب المدرسة. كنتم تتعلَّمون التكرار، تَبْرَعُون في عقد المقارنات بين الشيء وذاته وما هو عليه وما يَدَّعِي، تعملون طيلةَ نهاركم في إحصاءِ مراتبِ الظلِّ وجَرْدِ خيال المعدن، ثم ترجعون، مساءً، وقد الْتَهَمَ الضجرُ أرواحَكم، وتَعَبَّأ الهواءُ بين العضلة وأختها بالتعب. ليلاً، كنتم محضَ خُلَصَاء، تتسلَّلُون في العتمة الحليفة إلى الغابة، مستنشقين روائحَ الأزَلِيّ التي تُرسلها شجرةٌ لطائرٍ نائم، حيوانٌ بَرِّيٌّ لآخَر، باعوضٌ يُذَلِّلُ أزيزَهُ لجرادةٍ، بينما تتحلَّلُ شرنقةٌ من التزامِها تجاه فراشةٍ نامِيَة. قرب النهر التقيتم كلَّ ليلة، للمرَحِ، وبَلَلِ الأجسادِ، ورَمْيِ الحجارةِ لإحصاء الدوائر، وزَعْم الصّيدِ بغُصنٍ أبله من البُوص، كما رَوَيْتُم على بعضِكم المتخيَّلَ من سِيرة بطولتكم: كَيْفَ قَهَرْنَا العفاريت، جفَّفْنا البحار، أنقذْنا البناتَ من قلعةِ الألف كائن، كيف ذَلَّلْنَا البروقَ أكُفَّنا، ورَوَّضْنَا الحقيقةَ نفسَها فحَمَلَتْنَا بالأجنحةِ السوداءِ، التي تتساقطُ منها فضَّةُ النسيانِ ولهبُهُ، إلى قصورٍ بألْفِ قُبَّةٍ تقطُنُ فيها أميرةُ الكمالِ الوَدُودِ حَدَّ نَقْصِه. قَسَمَاً بالمُتْقَنِ، كانت لتلك الأيامِ بطولةٌ تستحِي منها ضآلةُ الوجودِ إلى يومِكم.”
“العقيدة التي يخلقها الإنسان لا تبلغ من القوة في نفسه مبلغ العقيدة التي تستولي عليه وتهيمن على وجدانه ، ولكنها في غيبة العقيدة المهيمنة هي حيلته التي لا حيله له غيرها حيث يرفض الإنكار والتعطيل . أو هي على التحقيق أرجح في عقولهم من التعطيل والإنكار”
“كم من حامل فكرة لا يطبق منها حرفاً ولا يحمله على حملها سوى أنها سبب في شهرته بين الناس ، فاللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل والسر والعلن”
“ما أشد على قلبي المتألم أن لا يأخذ بصري من الناس إلا من يتدحرج في نفسي ليهوي منها أو يتقلب في أجفاني ليثقل على عيني وأحاول أن أرى تلك الطلعة الفاتنة التي انطوى عليها القلب فانبعث نورها في حواشيه المظلمة, وأن أملأ عيني من قمر هذا الشعاع الذي جعل السماء في جانب من الصدر؛ فإذا ما شئت من الوجوه إلا وجه الحب, وإذا في مطلع البدر من رقعة سوداء لا تبلغ مد ذراع ويغشى الكون كله منها ما يغشى.. فاللهم أوسع لقلبي سعةً يلوذ بها..”
“وماذا يبقى من كل تلك الأشياء العظيمة المقدسة التي لها في حياتنا كل الخطر لو نزعنا عنها ذلك (الرمز). أيبقى منها أمام أبصارنا اللاهية غير المكترثة غير جسم مادي حجر أو عظم لا يساوي شيئاً ولا يعني شيئاً. ما مصير البشرية وما قيمتها لو ذهب عنها (الرمز). (الرمز) هو ذاته كائن لا وجود له. هو لا شيء. وهو مع ذلك كل شيء في حياتنا الآدمية. هذا (اللاشيء) الذي نشيد عليه حياتنا هو كل ما نملك من سمو نختال به ونمتاز على غيرنا من المخلوقات. هنا كل الفرق بين الحيوانات العليا والحيوانات الدنيا.”
“وانتظرت رد كتابي أو ورقة من شجر عتابي ، فما زالت تتقطع الساعة من الساعة ويلتقي اليوم باليوم ، ويذهب اللوم إلى العتاب ويجيء العتاب إلى اللوم ، وكتابك على ذلك كأنه مغمى عليه لا هو في يقظة ولا هو في نوم . . . فسبحان من علم آدم الأسماء كلها لينطق بها وعلمك أنت من دون أبنائه وبناته السكوت . . .والسلام عليك في ازلية جفائك التي لا تنتهي .أما أنا فالسلام على يوم ولدت ويوم أموت .!!”