“ان ابعاد الدين عن السلطة اعطى للاغلبية الاسلامية الشعور بالتحول الى اقلية ثقافية, وجعل ردود افعالها على هذا الصعيد ردود افعال الاقلية الحريصة على هويتها المهددة والطامحة باستمرار الى تاكيد هذه الهوية على الصعيد الثقافي نظرا لعجزها عن تأكيدها على الصعيد السياسي.وهذا هو الميل العام والسياسة العميقة لكل اقلية مبعدة عن السلطة السياسية المباشرة. ان المطالبة بالهوية قد اصبح مطالبة بالمساواة ومن هنا ازدياد اهميتها السياسية.”
“ان مشكلة الاقليات هي بالدرجة الاولى مشكلة الاغلبية.اي مشكلة المجتمع العام ذاته. وليست المسالة الاساسية التي تستحق النقاش هنا هي مسألة توجه الاقليات الدينية العربية الى التمايز وتكوين طوائف مستقلة تطمح الى الحفاظ على ذاتيتها. فهذا هو الطابع التاريخي والمنطقي لوجود كل اقلية اجتماعية والا فقدت كونها اقلية ولم يعد هناك اية مشكلة. اذا كنا نعترف ان هناك اقليات فلأننا نعترف ان هناك داخل الجماعة الكبرى جماعات لها فعلا تقاليد متميزة نسبيا عن الجماعة الكبرى وليس لنا ان نطالبها بالتخلي عن هذا التمايز الثقافي دون ان نلغي حقنا في ان يكون لدينا ذاتية ثقافية. لا نستطيع اذن ان نلغي التاريخ بالايمان بضرورة قومية او سياسية ولكننا نستطيع ان نفهم كيف يقود التاريخ الى تكوين الحقيقة القومية السياسية.”
“لا بد من التخلي عن الاعتقاد السائد الذي يرجع الطائفية الى التمايز الثقافي او الديني الموجود في مجتمع من المجتمعات. فهذا التمايز الذي يوجد في كل البلدان يمكن ان يكون اساسا للغنى الثقافي والانصهار كما يمكن ان يكون وسيللة للتفتت. واذا بقينا على هذا الاعتقاد السائد اضطررنا الى البحث عن حلول للمشكلة على المستوى الثقافي وحده وهنا لن تجد اي مخرج على الاطلاق.فالطائفة الاكبر تميل الى الاعتقاد ان تصفية التميزات الثقافية هو شرط الوصول الى اجماع يخلق الوحدة والانصهار. وتكمن وراء ذلك فكرة ان فقدان الاجماع السياسي مصدره غياب اجماع فكري او ديني بينما العكس تماما هو الصحيح. والبعض يمكن ان يفكر ان هذا وحده يمكن ان يساعدنا على ان ننتقل من الصراع الطائفي الى الصراع الطبقي ويفتح من ثم طريق التغيير والتحول والتقدم. اما الطوائف الصغرى فتميل ايضا, من نفس المنطلق الى تضخيم مشكلة التمايز الثقافي وتأكيدها لتحويلها الى مشكلة هوية شبه قومية مصغرة واداة سياسية وتعويض عن السلطة الفقودة كفردوس. وهذا يعكس في الحقيقة ميل الصراع الاجتماعي في مثل هذا المجتمع بشكل عام الى ان يحافظ على شكله كصراع عصبوي ودائري.”
“العلمانية ليست إلحاداً .. العلمانية تعني (فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية) وليس حتى فصل السياسة عن الدين”
“جاء فصل الدين عن الدولة في البلاد الاسلامية اذن على يدي الدولة ذاتها قبل ان تتبناه النخب المحلية الحديثة وتدفع بجوانبه الفلسفية. وظهر لهذا السبب ايضا كاستمرار وتطوير لسياسة فصل الجمهور المتزايد عن السلطة وتحرير يد الدولة من سلطة الدين, آخر مرجع شعبي ووسيلة الضغط الوحيد بيد المعدمين من السلطة والعلم.”
“منذ اواخر القرن التاسع عشر اصبح تأكيد الذات لدى الطوائف غير المسلمة يأخذ شكل هجوم على الذاتية السياسية الاسلامية المؤكدة بقوة في الدولة. وظهرت الدولة العلمانية كتنازل متبادل عن الذاتية يقوم على الغاء الطابع الديني للدولة الاسلامية, وليس كبناء لذاتية جديدة عصرية وقومية تتجاوز الدين.”