“لقد ارتسمت حقائق الأشياء أمام أفلاطون صوراً سماوية لا تتبدل ولا تتغير , و على الأشياء و فى دنيا الطبيعة و الواقع أن تقترب من تلك النماذج ما استطاعت . كذلك ارتسمت حقائق الأشياء أمام أرسطو أجناساً و انواعاً , لكل منها تعريف ثابت ساكن أزلى أبدى , يضعه حيث هو من بقية الأشياء . لكن حقائق الأشياء لا تثبت هكذا و لا تستقر إلا حين تجمد أوضاع الحياة على حالة هادئة ساكنة يرضى عنها الإنسان . أما حين يزول عن الإنسان هذا الرضا , و يهمّ بالانتقال إلى حالة أخرى , فعنئذ تكون حقيقة الكائنات أنها تتغير , و بخاصة الإنسان . و لا يعيب الإنسان إذ هو فى مرحلة التغير , مرحلة التحول , مرحلة السفر , أن تهتز القيم و ترتجَّ المعايير , بل العيب هو ألا ترتجَّ هذه و ألا تهتز تلك .. فلا ينبغى أن تكون لشىء أو لفكرة , أو لوضع , أو لنظام , حصانة تصونه من النقد و التجريح . إن كل الأشياء و الأفكار و الأضاع و النظم تريد أن تتغير , و تتجدد , فكيف يتم لها ما تريده إذا لم تقع على أوجه النقص فيما ننقده , و نجرّحه , لكى تتكشف حقيقته و تتعرى ؟”
“و إن العقل يقرر أن الكون يتألف من محاور ثابتة لا تتبدل و لا تتغير، و من مظاهر أو نسج متبدلة متطورة، و لا بد أن يقابل الثابت من حقائق الكون بثابت من النظم و المبادئ، و أن يقابل المتطور منه بمتطور من تلك النظم نفسها.”
“إن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يروعه الفرق بين الأشياء كما هي و الأشياء كما يجب أن تكون.. هذا هو الإنسان.. فإذا كف الإنسان عن ملاحظة هذا الفرق.. إذا كف عن الحلم.. إذا تجاعي منه حلمه و ترك الواقع يغرس أعلامه في صحراء الروح.. فقد تحول الإنسان إلى مخلوق لطيف يهوهو بفمه و يهز ذيله و يترقص لسيده”
“كل مجتمع يتكون من ثلاث مكونات هي : الأفكار و الأشخاص و الأشياء . المجتمع يكون في أوج صحته و عافيته حين يدور الأشخاص و الأشياء في فلك الأفكار الصائبة . و لكن المرض يصيب المجتمع حين تدور الأفكار و الأشياء في فلك الأشخاص ، و ينتهي المجتمع إلى حالة الوفاة حين يدور الأفكار و الأشخاص في فلك الأشياء .”
“و هكذا يشعر الإنسان بأن بأن لحظات الزمان هي أشبه ما تكون بقطرات الماء ظن فهي تتساقط من بين أصابعنا ، دون أن نقوى على استبقائها أو امتلاكها أو القبض عليها بجمع أيدينا ! أليس الزمان هو استحالة الإعادة ، و امتناع الرجعة ؟ ألا تفوت الفرص و يولي الشباب ، و تنقضي لحظات السعادة ، دون أن يكون في وسع المرء يوماً أن يثبتها أمام ناظريه ، أو أن يسترجعها حية نابضة أمام شعوره ؟ واحسرتاه أيها الإنسان ، فإن الماضي لا يعود ، و الشباب المدبر لا رجعة له ، و السعادة الهاربة لا تقتنص من جديد ، و نحن مجعولون لعبادة ما لم نراه مرتين!”
“ بدافع هذا القلق النبيل يعيد الإنسان النظر في كل شء ، و يرفع المنظار المبتذل الذي يضعه على عينيه و يكف عن الرؤية المبتذلة ، و يبدأ في تقدير الأشياء بمعيار جديد .. و يرى أبعد من أنفه و يصلح من هندامه ..و لا يعيش و يموت كذباب ملتصق بالعسل ..”