“عندما كان تاريخ الإسلام سنين عددا ٬ كان الصحابة يروون لأولادهم مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم ٬ وعلاقة هذه الأمة بغيرها. فلما طال التاريخ وجد نفر من الرجال قد يروون الجد والهزل ٬ وقد يعقبون بعبرقليلة أو لا يعقبون.ثم عجز التاريخ عن ملاحقة التحرك الإسلامى ٬ ثم عجز أقبح العجز عنلفت الأنظار إلى غارات العدو على هذه الأمة. فإذا “الفليبين” مثلا تضيع منا فى صمت وهذا العنوان جلبته الصليبية الغازية ل...شرق العالم الإسلامى ٬ ووضعته على مجموعة الجزر القريبة من إندونيسيا. وكانت هذه الجزر إسلامية مائة فى المائة ٬ ثم أخذ الغزو النصرانى يلح عليها ٬ ويتغلغل فيها قرنا بعد قرن حتى وضع عليها اسم `فيليب الثانى` ملك إسبانيا فأصبحت ` الفليبينومضى التنصير فى طريقه الدامى.. ومنذ قرن كان المسلمون نصف السكان وهم الآن خمس السكانوالمراد الإجهاز عليهم واستئصال بقيتهم.ماذا كان يصنع الترك والعرب خلال هذه الحقب المشئومة؟ أين كتاب التاريخ والمعلقون على أحداثه الكبرى؟!لقد سكتوا كما سكت إخوان لهم من قبل وبعد كارثة الأندلس.. كأن ضياع الأندلس سقوط بضعة دريهمات من جيب ثرى متلاف..!”
“أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة ٬ أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه ٬ ولإقامة دينه ٬ فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم`. إن بعض الذين ضاقوا بالانحرافات المعاصرة فى العالم الإسلامى فكروا فى العودة إلى الأمس القريب ٬ أو إلى بضعة قرون مضت! فقلت لهم: لا. مثلنا الأعلى فى القرن الأول وحده ٬ففى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: `إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ٬ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها ٬ وعضوا عليها بالنواجذ”
“إن جماهير العرب عطشى إلى الحرية والكرامة، ولقد بذلت جهود هائلة لمنعها من الحق والجد وتعويدها عبادة اللذة إلى جانب عبادة الفرد، ولكن جوهر الأمة تأبى على هذه الجهود السفيهة، وإن كانت طوائف كثيرة قد جرفتها هذه المحن النفسية فهى تحيا فى فراغ ومجون مدمرين، لا تبقى معهما رسالة ولا ينخذل عدو ..ومن ثم كان العبء على المصلحين ثقيلاً، ولكن ما بد منه لحماية حاضرنا ومستقبلنا .ولقد تبعت الصراع بين الحكام المستبدين والرجال الأحرار منذ نصف قرن، ودخلت فى تلك المعمعة لأذوق بعض مرها وضرها . وكنت أردد بإعجاب صيحات الرجال الكبار وهم يهدمون الوثنية السياسية ويلطمون قادتها ولو كانوا فى أعلى المواضع .”
“يقدر أحد الناس على تناول أقراص من الخبز، وارتداء ألبسة من الخيش، والانزواء بعد ذلك فى مكان خرب أو عامر يعبد الله كما يرى.والبيئة التى يوجد فيها هذا الصنف من الناس ربما لا تتطلب أكثر من رحى للطحن، ومغزل للنسيج، وعدد من الأشغال التافهة هى التى تمثل " فروض الكفاية " فى مجتمع ساذج.لكن الإسلام لا يصلح فى هذه البيئة، ولا تعاونه أدواتها على السير، ولا على مجرد البقاء.لو كان الإسلام رهبانية صوامع ربما أنزوى فى جانب منها واكتفى بأى لون من العيش، ولكنه دين يبغى الاستيلاء على الحياة، وإقامة عوجها ومحاربة طواغيها.”
“إن قرون التخلف التى مرت بنا انتهت فى القرن الماضى بوضع للمرأة المسلمة لا يقول به فقيه مسلم!لقد رأيت المرأة فى بلادنا لا تدخل مسجدا أبدا.. بل فى قرانا.. وكثير من المدن كانت المرأة لا تصلى وهى إلى جانب هذا الحرمان الروحى كان التعليم محرما عليها فلا تدخل مدرسة أبدا وقلما يؤخذ لها رأى فى الزواج ويغلب أن يجتاح ميراثها.وإذا انحرف الشاب تسوهل معه أما إذا انحرفت المرأة فجزاؤها القتل..! هل هذه المعالم المنكورة لحياة المرأة تنسب إلى الإسلام؟!الله يعلم أن الإسلام برىء من هذه التقاليد ٬ كما هو برىء من المفاسد الجنسية فى أوروبا وأمريكا..!ومع ذلك فإن منتسبين إلى الإسلام وعلومه ٬ يرتضون هذه الأحوال أو لا يتحمسون لتغييرها”
“من فضائل القوة التى يوجبها الإسلام أن تكون وثيق العزم ٬ مجتمع النية على إدراك هدفك بالوسائل الصحيحة التى تقربك منه ٬ باذلا قصارى جهدك فى بلوغ مأربك ٬ غير تارك للحظوظ أن تصنع لك شيئا ٬ أو للأقدار أن تدبر لك ما قصرت فى تدبيره لنفسك !!فإن هناك أقواما يجعلون من الملجأ إليه ستارا يوارى تفريطهم المعيب وتخازلهم الذميم ٬ وهذا التواء كرهه الإسلام . فعن عوف بن مالك قال : قضى رسول الله بين رجُلين. فلما أدبرا قال المقضى عليه: حسبى الله ونعم الوكيل ! فقال صلى الله عليه وسلم : إن الله يلوم على العجز !! ولكن عليك بالكيس ٬ فإذا غلبك أمرٌ فقل: حسبى الله ونعم الوكيل “ . أى أن المرء مكلف بتعبئة قُواه كلها لمغالبة مشاكله حتى تنزاح من طريقه ٬ فإن ذللها حتى استكانت له فقد أدى واجبه . وإن غلب على أمره أمامها بعد استفراغ جهده كان ركونه إلى الله عندئذ معاذا يعتصم به من غوائل الانكسار ٬ فهو على الحالين قوى ٬ بعمله أولا وبتوكله آخرا .إن الإسلام يكره لك أن تكون مترددا فى أمورك ٬ تحار فى اختيار أصوبها وأسلمها ٬ وتكثر الهواجس فى رأسك فتخلق أمامك جوا من الريبة والتوجس ٬ فلا تدرى كيف تفعل. وتضعف قبضتك فى الإمساك بما ينفعك فيفلت منك ثم يذهب سُدى.”
“إن رسالة الإنسان فى هذه الحياة تتطلب مزيدا من الدرس والتمحيص. ووظيفته العتيدة فى ذلكم العالم الرحب يجب أن تحدد وتبرز حتى يؤديها ببصر ووفاء، وقوة ومضاء. إن بعض الناس جهل الحكمة العليا من وجوده، فعاش عاطلا فى زحام الحياة، وكان ينبغى أن يعمل ويكافح. أو عاش شاردا عن الجادة تائها عن الهدف، وكان ينبغى أن يشق طريقه على هدى مستقيم. والنظرة الأولى فى خلق آدم وبنيه كما ذكرها القرآن الكريم توضح كل شىء فى هذه الرسالة. لقد بدأ هذا الخلق من تراب الأرض وحدها، والبشر جميعا فى هذه المرحلة من وجودهم ليس لهم فضل يمتازون به، أو يعلى مكانتهم على غيرهم من الكائنات. كم تساوى حفنة من التراب؟ لا شىء.”