“ونجد مثل هذه الدقة البالغة فى اختيار اللفظ فى آلام إبليس حينما أقسم على ربه قائلا: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين"82- ص أقسم إبليس بالعزة الإلهية ولم يقسم بغيرها، فأثبت بذلك علمه وذكاءه، لأن هذه العزة الإلهية هى التى اقتضت استغناء االله عن خلقه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولن يضروا االله شيئا، فهو العزيز عن خلقه، الغني عن العالمين. ويقول االله فى حديثه القدسى: "هؤلاء فى النار ولا أبالى، وهؤلاء فى الجنة ولا أبالى." وهذا مقتضى العزة الإلهية. وهى الثغرة الوحيدة التى يدخل منها إبليس، فهو بها يستطيع أن يضل ويوسوس، لأن االله لن يقهر أحدا اختار الكفر على الإيمان..”
“وهل نرى أمامنا على المسرح إلا كبرياء الوثنية والعظمة المجوسية متنكرة تحت راية لا إله إلا الله ؟وماذا بين بعض الملوك و والرؤساء والزعامات العربية إلا الكبرياء الشخصى وحرص البعض على أن تكون له السيادة.وينسى كل هؤلاء أحيانا عن كفر وأحيانا عن غفلة أن الكبرياء لله وأن العظمة والجبروت والهيمنة من صفاته وحده ... وأنه يقول لنبيه : ( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسيْطِرٍ) "الغاشية" ... ما أنت عليهم بجبار.ويقول فى حديثه القدسى : < الكبرياء ردائى والعظمة إزارى ومن نازعنى فيهما قصمته ولا أبالى >.ولم يكن التاريخ إلا قاصما لظهور الجبارين لم يعف منهم أحدا .والقصة ما زالت مستمرة ولا أحد يعتبر .”
“إنها سياسة سماوية عليا، غريزة حاكمة، مبثوثة فى أرواح هذه الكائنات، التى لا نعرف عن دخائلها شيئا، وإن هى إلا أمم مثلنا. ـ”
“الحرية الحقيقية تحتمل ابداء كل رأى ونشر كل مذهب وترويج كل فكر. فى البلاد الحرة قد يجاهر الانسان بأن لا وطن له. ويطعن على شرائع قومه وآدابهم وعاداتهم ويهزأ بالمبادئ التى تقوم عليها حياتهم العائلية والإجتماعية، يقول ويكتب ما شاء الله فى ذلك ولا يفكر أحد- ولو كان من الد خصومه فى الرأى- أن ينقص شيئا من احترامه لشخصه، متى كان قوله صادرا عن نية حسنة واعتقاد صحيح. كم من الزمن يمر على مصر قبل أن تبلغ هذه الدرجة من الحرية؟”
“والفصول كلها نقيضا على نقيضه وشيئا مختلفا على شئ مختلف لما كان فى السماء والارض جمال ولا منظر جمال ولا احساس بهما والطبيعة التى لا تفلح فى جعلك مسرورا بها لتكون هى جديدة عليك”
“لا أزعم لك أن حياة الشعب شاعرية أو نبيلة، بل مليئة بالكد والقسوة. بعض هذه القسوة مباشر فى الوجه، كفرض الإتاوة على أكل عيش الفقراء، كسرقة الكحكة من يد اليتيم، كبلطجة الشرطة على الناس وعجزها عن حمايتهم فى آن واحد، كمياه الشرب النقية التى يجب أن تمشى إليها وتعبئها فى آنية وتعود بها للبيت كالغنيمة، كطابور الخبز المدعم، كالفقر والحاجة التى لن تستطيع سدها مهما فعلت. هذه بعض ملامح القسوة اليومية المباشرة، المعروفة للجميع. لكن القسوة الحقيقية هى تلك التى تَسرَّبت إلى القلوب فعوّدتها ما لا يجب أن تعتاده.”