“و عسير جدا على خلق كثير, أن يدرك اليوم معنى هذا اللفظ "الدين" عندنا نحن المسلمين, ﻷن المسلمين منذ غلبوا على أمرهم بغلبة هذه الحضارة اﻷوربية على اﻷرض مسلمها و كافرها, تلجلجت ألسنتهم بالفرق و الذعر لهول المفاجأة, فصار لسان أحدهم كأنه مضغة لحم مطروحة في جوبة الحنك, ليس من عملها البيان!!!!”
“فثقافة كل أمّة مرآة جامعة في حيّزها المحدود كل ما تشعّث وتشتّت وتباعد من ثقافة كل فرد من ابنائها على اختلاف مقاديرهم ومشاربهم ومذاهبهم ومداخلهم ومخارجهم في الحياة. وجوهر هذه المرآة هو (اللغة)، و(اللغة) و(الدين)، كما أسلفت، متداخلان تداخلا غير قابل للفصل البتّة. فباطل كل البطلان أن يكون في هذه الدنيا على ما هي عليه، (ثقافة) يمكن أن تكون (ثقافة عالمية،)،أي ثقافة واحدة يشترك فيها البشر جميعا ويمتزجون على اختلاف لغتهم ومللهم ونحلهم وأجناسهم وأوطانهم. فهذا تدليس كبير، وإنما يراد بشيوع هذه المقولة بين الناس والأمم، هدف آخر يتعلّق برفض سيطرة أمّة غالبة على أمم مغلوبة، لتبقى تبعا لها.”
“العقل الذي لا يتصور أن الحياة البشرية قادرة على صنع الحضارات، بلا استناد إلى طريقة العيش الغربية واعتناق مبادئ الحضارة الغربية عقل قد أسقط من حسابه أن الحضارات، قامت وبادت, من قبل أن تكون الحضارة الغربية وأصولها جميعا على ظهر الأرض, وأن هذه الحضارات إذا بادت واستؤصلت، فالإنسان أيا كان بعد ذلك, قادر على أن يبني حضارة جديدة تناقض هذه الحضارة الغربية في طريقة العيش، وفي المبادئ التي يدعيها”
“و أشرت في مواضع كثيرة أن هذا الصراع صراع بين حضارتين مختلفتين أشد اختلاف: حضارة طال عليها الزمان فغفت غفوة آمنة لا يفزعه شئ, و حضارة واتاها الزمان فهبت يقظة متلفتة جريئة, لا تأمن أحدا و لا تطمئن إليه,فلما بدرت بوادر الصراع, قامت "الغافية" تتمطى, و تطرد الفتور عن أعضائها و مفاصلها, و تمسح النعاس اللذيذ عن وجهها,أما اليقظة فهبت حذرة, تراقب, و تتحسس, و تطوف, و تتأهب للسطو على هذه الغافية, باغية لا يفارقها شعورها الجديد اللذيذ بالقوة و البطش و الضراوة, و بحب الغلبة و بسط السلطان.”
“التجديد حركة دائبة في داخل ثقافة متكاملة ، يتولاها الذين يتحركون في داخلها كاملة حركة دائبة ،و عمادها الخبرة و التذوق و الإحساس المرهف بالخطر عند الإقدام على القطع و الوصل”
“و(المستشرق)، كما علمت، لم يعمد إلى إفساد حق على المثقف الأوروبي المسيحي، بل عمد إلى حياطته حتى لا ينبهر بدين عدوّه المسلم انبهارا مجرّبة عاقبته على مرّ القرون الطوال بالتساقط في الإسلام.”
“، فإن تدجين المشايخ الكبار في (الديوان)، لم يمنع الثورة أن تقوم، وذلك لأن (المشايخ الكبار) لهم عند عامة المسلمين، هيبة العلم، وطاعاتهم واجبة علينا فيما هو طاعة لله ولرسوله، ولكن هيبة العلم ليست بمانعة جماهير الأمة من عصيانهم وترك طاعاتهم إذ هم خالفوا صريح أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم بقتال الغزاة لدار الإسلام، فإن قتال الغزاة عند المسلمين واجب وفرض عين على كل قادر على القتال، إلا في حالة واحدة: إلا أن يخافوا أن يصطلمهم العدو لقلة عددهم وكثرة عدد العدو، ((اصطلمهم العدو)، استأصل شأفتهم وأبادهم)، فجائز عند إذن أن يلقوا إليهم السّلم، ((ألقى إليه السّلم)، استسلم له وصالحه)، بيد أن في قتالهم الشهادة، وهي إحدى الحسنيين، ((الحسنيان)، النصر أو الشهادة).”