“فالحي حي في حياته و بعد مماته، و ميت القلب ميت في حياته و بعد موته، و حياة قلب الشهيد توحي بها معنى كلمة شهيد و التي تعني أنه شهد على الغيب حتى صار عنده شهادة، و لأنه رأى بقلبه ما لا يراه الناس إلا بعد موتهم؛ فأقدم على التضحية بأغلى ما يملك؛ كوفئ باستمرار إطلاق صفة الحياة عليه حتى بعد الموت.”
“إنه مشهد انتصار الحق و الإيمان في واقع الحياة المشهود، بعد انتصارهما في عالم الفكرة و العقيدة. فلقد مضى السياق بانتصار آية العصا على السحر؛ و انتصار العقيدة في قلوب السحرة على الاحتراف؛ و انتصار الإيمان في قلوبهم على الرغب و الرهب، و التهديد و الوعيد. فالآن ينتصر الحق على الباطل و الهدى على الضلال، و الإيمان على الطغيان في الواقع المشهود. و النصر الأخير مرتبط بالنصر الأول. فما يتحقق النصر في عالم الواقع إلا بعد تمامه في عالم الضمير؛ و ما يستعلي أصحاب الحق في الظاهر إلا بعد أن يستعلوا بالحق في الباطن.. إن للحق و الإيمان حقيقة متى تجسمت في المشاعر أخذت طريقها فاستعلنت ليراها الناس في صورتها الواقعية. فأما إذا ظل الإيمان مظهراً لم يتجسم في القلب، و الحق شعاراً لا ينبع من الضمير، فإن الطغيان و الباطل قد يغلبان، لأنهما يملكان قوة ماذية حقيقية لا مقابل لها و لا كفاء في مظهر الحق و الإيمان..يجب أن تتحقق حقيقة الإيمان في النفس و حقيقة الحق في القلب؛ فتصبحا أقوى من حقيقة القوى المادية التي يستعلي بها الباطل و يصول بها الطغيان..”
“و مرت بخاطرهم و جرت على أفواههم كلمة "الثورة" ، وهي الكلمة الهائلة التي تأتي دائما في ترتيب قاموس الحياة بعد كلمة الجوع..”
“يبدو أن هذا الكمّ من الحماقة الذي يرقد في قلب الإنسان يجعله يفكر بطريقة حمقاء أوّلا ؛و يدفعه لأن يتجاوز البديهيات بعد ذلك .. و إلى أن يقتنع، و بعد أن يدفع ثمناو غالبا ما يكون كبيرا، و في بعض الأحيان حياته يتعلم .. لكن الوقت يكون متأخر .”
“فأما من يتوفى فهو صائر إلى نهاية كل حي. و أما من يرد إلى أرذل العمر فهو صفحة مفتوحة للتدبر ما تزال. فبعد العلم، و بعد الرشد، و بعد الوعي، و بعد الاكتمال.. إذا هو يرتد طفلاً. طفلاً في عواطفه و انفعالاته. طفلاً في وعيه و معلوماته. طفلاً في تقديره و تدبيره. طفلاً أقل شيء يرضيه و أقل شيء يبكيه. طفلاً في حافظته فلا تمسك شيئاً، و في ذاكرته فلا تستحضر شيئاً. طفلاً في أخذه الأحداث و التجارب فرادى لا يربط بينها رابط و لا تؤدي في حسه و وعيه إلى نتيجة، لأنه ينسى أولها قبل أن يأتي على آخرها: (لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً) و لكي يفلت من عقله و وعيه ذلك العلم الذي ربما تخايل به و تطاول، و جادل في الله و صفاته بالباطل!”
“و هناك أمر آخر كنت من دعاته و الناس جميعا في عمى عنه و بعد عن تعلقه و لكنه هو الركن الذي تقوم عليه حياتهم الاجتماعية، و ما أصابهم الوهن و الضعف و الذل إلا بخلو مجتمعهم منه ، و ذلك هو : التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب ، و ما للشعب من حق العدالة على الحكومة ... أن الحاكم و إن وجبت طاعته فهو من البشر الذين يخطئون و تغلبهم شهواتهم ، و أنه لا يرده عن خطأه و لا يوقف طغيان شهوته إلا نصح الأمة له بالقول و الفعل. جهرنا بهذا القول و الاستبداد في عنفوانه ، و الظلم قابض على صولجانه ، و يد الظالم من حديد ، و الناس كلهم عبيد له أي عبيد”