“ابتعدت الخطوات رويدًا رويدًا فسحبت نفسًا عميقًا. سحبت نفسًا ظلّ حبيسًا لزمنٍ طويل. سحبت النفس على مراحل. سحبتُ النفس متزامنًا مع إيقاع خطواتهما, ولم أطلقه إلّا في زفرةٍ جنونيةٍ استمرّت طويلًا. بدأتُ أتلقّف الهواء وأبدّد الهواء كأنّي ألهو. كأني اكتشفت حقيقة الهواء لأول مرّة. كأني اكتشف حقيقةً نسيتُها دومًا وهي أن هذا الهواء الذي نستهين به ونعدّه تحصيل حاصل ليس ضرورةً للحياة وحسب, ولكنه هو الحياة.ولكننا لا نعترف بهوية الأشياء ما لم نفقد الأشياء”
“قادته تجربته الطويلة مع الانتظار إلى المجهول دون أن يدري. استدرجته ديمومة الانتظار إلى دهليز أطلق عليه اسم الغيبوبة من باب الاستعارة. أدرك بهذهِ التجربة أن الشقوة ليست في أن نفشل، و لكن في أن ننتظر. أدرك أنّ القصاص ليس أن نيأس، و لكن أن ننتظر. أدرك أن البليّة ليس أن نهلك، و لكن أن ننتظر. و العلة ليست في الخيبة (خيبة الطلب)، و لكن لاستحالة أن يستمرئ الإنسان الانتظار أبدًا. بلى، بلى. الانتظار هو ما استعسر على الطبيعة الثانية المسماة في معجم الحكمة: العادة.في الآونة الأخيرة استعان على هذا الغول بالغيبوبة. لا ينكر أنه روَّض نفسه عليها طويلًا مستنجدًا بوصايا أمّه الكبرى، الصحراء؛ لأن الحياة في ذلك الوطن المفقود ليست سوى انتظار طويل، بل انتظار أبدي لا يضع لأبديته نهاية إلّا النهاية الطبيعية التي هي الموت.”
“الموت ليس أن نموت ، ولكن الموت هو أن نفقد الأمل . الموت هو أن نعجز عن الحلم . الموت هو أن نجهل لماذا جئنا لا لماذا نذهب ، فهل هذا هو ما يسميه الناس فشلاً ؟ أم أن هذا الإحساس هو مرض يستوجب الشفاء ؟”
“الشيخ موسى على حق في كل شيء. لا يمل الشيخ من القول: "لا تودِع قلبك في مكان غير السماء، إذا أودعته عند مخلوق على الأرض طالته يد العباد وحرقته". والشيخ موسى لا يرهن قلبه. لم يرهنه قط. لم يتزوج ولم يلد ولم يربي قطعان الأغنام أو الإبل. ربما كان هذا هو سبب تحرره من الهم. لم يره غاضبا. ولم يره ضاحكا. ابتسامة واحدة، ثابتة، مطبوعة على شفتيه.”
“أعظم حب ..ليس من يبهرنا مذ اللقاء الأولبل من يتسلل داخلنا دون أن نشعروكأنك فجأة تكتشف انه هو الهواء الذي تتنفسه ..”
“-الحق اني كفرت بالقادرية عندما رأيت الشيخ الأكبر الذي عاهدنا على صراط الحرية ووعدنا بأن يعيدنا إلى منابع الدين ينقلب إلى سلطان دنيوي مثل سلاطين بني عثمان.فهل الفساد،ياربي،في الناس أو في المنصب؟-في كليهما.في النفس وفي المكان. وخلافي مع الشيخ الأكبر ليس في تعاليمه ولكن في نفسه الأمارة بالسوء. إعلم،ياشيخ آده،أن المصلح والحاكم لا يجتمعان في قلب واحد.لأن كفة الحكم أرجح وأقوى.أمام المصلح الحقيقي طريق واحد:المغارة.الصحراء.العزلة.فإذا انقاد للوسواس مرة، وخرج من صحرائه،إلى الناس،فإنه يضيع،لأن الشيطان سيستولي على المبادرة ويتولى الأمر.”
“اللجوء لكتم أنفاس الناس أو انتزاع ألسنتهم كتماً للسر ليس مجرد خطأ ، ليس مجرد جرم في حق الأعراف ، ولكنه خطيئة . لأن ما وُجد وُجد ليُعرف لا ليُخفَى ، والأبله هو من يحاول إعادته إلى جوف الخفاء .”