“يوم أن قال عقيل أخو علي بن أبي طالب:" إن صلاتي مع علي أقوم، وطعامي عند معاوية أدسم".إن هذه الحياة النفسية المنقسمة بين الطعام والصلاة كان من أعراض الصراع بين الفكرة والشيء، وقد واصل هذا الصراع طريقه منذ ذلك الوقت. وعندما فكر الغزالي بعد مضي أربعة قرون أن يجدد في العلاقة الدينية بين المجتمع المسلم والعالم الثقافي كان الآوان قد فات، فقد كانت المرحلة الثالثة من الحضارة قد بدأت، ولم يكن بمقدور المجتمع الإسلامي إلا أن يواصل انحدراه حتى يصل إلى عصر ما بعد الموحدين، ولم يكن بمقدوره وهو يسترسل في المنحدر المشؤوم أن يسترد توازنه الأصلي.”
“إن أي فساد في علاقات الأفكار فيما بينها أو علاقاتها مع عالم الأشخاص أو علاقتها مع عالم الأشياء لابد أن يولد اضطراباً في الحياة الإجتماعية, وشذوذا في سلوك الأفراد, خصوصا عندما تصل القطيعة مع النماذج إلى مداها الأقصى, وتصبح قوالب أفكارنا ممسوحة في ذاتنا, وتصبح أفكارنا الموضوعة والمصبوبة في تلك القوالب لا شكل لها, ولا أهمية.”
“إن علينا أن نكوّن حضارة ، أي ان نبني لا أن نكدس .فالبناء وحده هو الذي يأتي بالحضارة لا التكديس ولنا في أمم معاصرة أسوة حسنة”
“تكسب الجماعة الإنسانية صفة (المجتمع)عندما تشرع في الحركة، أي عندما تبدأ في تغيير نفسها من أجل الوصول إلى غايتها. وهذا يتفق من الوجهة التاريخية مع لحظة انبثاق حضارة معينة.”
“بقدر ما تكون هنالك فكرة واضحة تمام الوضوح عن دور هذا العنصر في (ميلاد مجتمع) معين، يمكن أن تكون هنالك فكرة دقيقة تمام الدقة عن دورها الذي يمكن أن تؤديه في (نهضة) هذا المجتمع.”
“في بلدٍ متخلفٍ يفرض الشيء طغيانه بسبب ندرته، تنشأ فيه عقد الكبت والميل نحو التكديس الذي يصبح في الإطار الاقتصادي إسرافاً محضاً، أما في البلد المتقدم وطبقاً لدرجة تقدمه : فإن الشيء يسيطر بسبب وفرته وينتج نوعاً من الإشباع.إنه يفرض حينئذ شعوراً لا يحتمل من السأم البادي من رتابة ما يرى حوله فيولد ميلاً نحو الهروب إلى الأمام الذي يدفع الإنسان المتحضر دائماً إلى تغيير إطار الحياة والموضة، أو يدفعه إلى الذهاب ليستنشق الهواء في مكانٍ آخر.(....)إن المجتمع المعدم يتفاعل مع الكلف بعالم الأشياء الذي لا يملكه، أما المجتمع المليء فإنه يتفاعل مع وساوس هذا العالم، ولكن مع هذين الإنفعالين فإن المجتمعين كليهما يواجهان الداء ذاته، فطغيان الشيء يختلف الشعور به، ولكن النتائج النفسية المنطقية واحدة. فالشيء يطرد الفكرة من موطنها حين يطردها من وعي الشبعان والجائع معاً.”