“والمسلم ـ إذا أطاع الله ورسوله ـ لم يحتبس داخل صومعة محدودة الأركان يفسح جنباتها بالخيال الجامع، انما صومعة المسلم هذه الأرض ذات الطول والعرض، يملأ جنباتها بالعمل المتقن والواجبات المطلوبة.وليس الإحسان تجويد جزء من العبادات وإهمال أجزاء أخرى قد تكون أخطر وأجل، وإنما الإحسان أداء فروض العين وفروض الكفاية، وتناول شئون الدنيا وشئون الآخرة معا.هو إشراب الحياة الإنسانية حقائق الأمر الإلهى، وإضفاء صبغة السماء على أحوال الأرض.هو ترقية كل عمل بذكر الله فيه، لا الفرار من الأعمال بدعوى ذكر الله فى العراء.”
“إن عبادة الجسد، وعبادة المادة، والتمرد على الأساس الإلهى فى الحياة الإنسانية عوج لا يتمخض إلا عن الشر والبلاء.وآفة الحضارة المادية أنها سخرت العقول للشهوات، وأخرست نداء الروح وأطلقت نداء الطين، وجحدت أن الإنسان نفخة من روح الله، ورأت أنه ـ كلا وجزءا ـ نشأ من الأرض فلا يجوز أن يرفع رأسه إلى أعلى يذكر الله ولى نعمته، وسر عظمته.”
“إن الله لم يقل لقارون صاحب الكنوز الهائلة: انخلع من مالك كى أرض عنك لا، ابق فيه ولكن (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ).الإسلام يحتقر الدنيا أشد الاحتقار عندما تكون الأمل الذى لا أمل معه، وعندما يركض البشر فى طلابها لا لشىء إلا للحصول عليها، والاستكثار منها.ثم الموت فى أطوائها، كما تموت دودة القز داخل ما تنسج، وليست تنسج لنفسها شيئا.إنه يحتقرها هدفا، ولكنه يحتفى بها وسيلة!.وفى الإزراء على الحياة الدنيا، عندما تكون غاية مجردة جاءت آيات كثيرة، وأحاديث شتى، نثبت هنا بعضها: قال الله تعالى: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح و كان الله على كل شيء مقتدرا).والمثل واضح فى أن الدنيا تتبخر بين أيدى عبادها، كما يتبخر الماء من الهشيم، فإذا هم يقبضون أيديهم على وهم.ماذا كسب خزان المال عن وجوه الخير؟ وماذا ربحوا من نسيان رازقه، ورفض وصاياه فيه؟.ماذا نال عباد الأثرة والجاه والاستعلاء عندما يسلون من الحياة الدنيا سلا، مخلفين بعدهم أملاكا، ذهب اسمهم عنها، وآثار كحركة الريح فى صفحة الماء، لا استقرار لها ولا بقاء...”
“ليس خيركم من عمل للآخرة وترك الدنيا، أو عمل للدنيا وترك الآخرة، ولكن خيركم من أخذ من هذه ومن هذه. وإنما الحرج في الرغبة فيما تجاوز قدر الحاجة وزاد على حد الكفاية..”
“العبارة الواردة فى الحديث الشريف وهى " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ليست وصفا لشخص يصف قدميه للصلاة، أو يلهج لسانه بالذكر فحسب.إنما هى وصف لإنسان يقيم أوامر الله كلها، فى شئون الحياة كافة.ومجال الإحسان رحب الدائرة، حدوده وظيفة الإنسان فى الحياة من المهد إلى اللحد ...”
“إن الله يقترب برحمته ممن يقفون عند منازلهم الإنسانية ويوقرون ربهم سرا وعلانية.اعترف فى ساحته بعجزك يمنحك القوة .اعترف فى ساحته بذلك ينضر وجهك بالكرامة.إبرأ من حولك وطولك إلى حوله وطوله يهبك سلطانا فى الأرض ويكفل لك التوفيق والنصر والنجاح (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم).والناس ـ فى العصر المغتر ـ زاهدون فى السماء عاكفون على الأرض، واثقون من عالم الشهادة ساخرون من عالم الغيب، مؤمنون بأنفسهم قليلو الاكتراث بربهم الذى خلقهم لغاية أشرف مما يألفون.وهم محرمون حقا من أمداد الفضل الإلهى ما بقوا على هذا الزيغ، بل هم معرضون حتما لنكال فى أعقاب نكال، وحرب فى أعقاب حرب.(ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد).”