“إن الإنسان كائن عظيم حقا بيد أن عظمته ترجع إلى نسبه السماوى الروحى، لا إلى نسبه الأرضى المادى. ومن الناس من يقدرون نسبهم الإلهى هذا فيجعلون الحياة تزدان بالمعرفة والكرامة والفضيلة، وتسخير الكون للإنسان. ومنهم من تغلبهم نزعات الحمأ المسنون فيجعلون الحياة تسود بالشهوات والمظالم والأنانية وتسخير الإنسان لأتفه شىء فى الكون.”
“إن عبادة الجسد، وعبادة المادة، والتمرد على الأساس الإلهى فى الحياة الإنسانية عوج لا يتمخض إلا عن الشر والبلاء.وآفة الحضارة المادية أنها سخرت العقول للشهوات، وأخرست نداء الروح وأطلقت نداء الطين، وجحدت أن الإنسان نفخة من روح الله، ورأت أنه ـ كلا وجزءا ـ نشأ من الأرض فلا يجوز أن يرفع رأسه إلى أعلى يذكر الله ولى نعمته، وسر عظمته.”
“إن المال كالفاكهة الجميلة اللون ٬ الشهية المذاق ٬ وميل الطباع إلى اقتناء هذا الخضر الحلو معروف ٬ بيد أن من الناس من يظل يطعم حتى تقتله التخمة. ومنهم من يختطف ما فى أيدى الآخرين إلى جانب نصيبه المعقول . ومنهم من يدخر ويجوع. ومنهم من يشغله القلق خشية الحرمان ٬ ومن يشغله القلق طلب المزيد.وأفضل الناس من يأخذونه بسماحة وشرف ٬ فإذا تحول عنهم لم يشيعوه بحسرة أو يرسلوا وراءه العبرات لأن بناءهم النفسى يقوم وحده بعيدا عن معايير المكاثرة ٬ ورذائل النهم والتوسع . .”
“إن الإسلام يلح على كل إنسان فوق ظهر الأرض، ألا ينسى نسبه السماوى، وألا يتجاهل أصله المنبثق من روح الله.”
“إن رسالة الإنسان فى هذه الحياة تتطلب مزيدا من الدرس والتمحيص. ووظيفته العتيدة فى ذلكم العالم الرحب يجب أن تحدد وتبرز حتى يؤديها ببصر ووفاء، وقوة ومضاء. إن بعض الناس جهل الحكمة العليا من وجوده، فعاش عاطلا فى زحام الحياة، وكان ينبغى أن يعمل ويكافح. أو عاش شاردا عن الجادة تائها عن الهدف، وكان ينبغى أن يشق طريقه على هدى مستقيم. والنظرة الأولى فى خلق آدم وبنيه كما ذكرها القرآن الكريم توضح كل شىء فى هذه الرسالة. لقد بدأ هذا الخلق من تراب الأرض وحدها، والبشر جميعا فى هذه المرحلة من وجودهم ليس لهم فضل يمتازون به، أو يعلى مكانتهم على غيرهم من الكائنات. كم تساوى حفنة من التراب؟ لا شىء.”
“إن الحرية ليست حق الإنسان أن يتحول حيوانا إذا شاء، أو يجحد نسبه الروحى إلى رب العالمين، أو يقترف من الأعمال ما يوهى صلته بالسماء ويقوى صلته بالتراب، فإن الحرية بهذا المعنى لا تعدو قلب الحقائق، وإبعاد الأمور عن مجراها العتيد. بل الواقع أنك لن تجد أعبد ولا أخنع من رجل يدعى أنه حر، فإذا فتشت فى نفسه وجدته ذليلا لشهواته كلها، ربما كان عبد بطنه أو فرجه، وربما كان عبدا لمظاهر يرائى بها الناس، أو لمراسم يظنها مناط وجاهة، فإذا فقد بعض هذه الرغائب رأيته أتفه شىء ولو كان يلى أكبر المناصب، بل لو كان ملكا تدين له الرقاب.”
“على الإنسان أن يكون على استعداد دائم لكى يتحمل تبعات الدفاع عن معتقده وعن سيرته ومسلكه وقيمه.. لكن كيف سيكون لون هذا الاختبار؟ لا ندرى.. الأمر الثانى: أن هذا التدافع هو طبيعة الحياة الفردية والاجتماعية، بمعنى أنه فى داخل الجسم البشرى، تفرض المناعة نفسها عندما تدخل جراثيم غازية، ويبدأ القتال حتى يبقى الجسم حيا.. الحياة الإنسانية، لابد فيها من هذا التدافع. هذا اللون من التدافع..ربما تنشط أجهزة الإيمان وتتحرك فيه قواه الداخلية إذا كانت فاترة عندما يشعر بالتحدى، ويكون هذا سببا فى إمداده بحياة جديدة.. وهنا سنن الله الكونية التى يجب أن يخضع لها المؤمنون والكافرون: أن الحياة فيها هذا التصادم المستمر بين قوى ومبادئ مختلفة.. وهكذا الحياة.. يحاول الكفر أن يفرض نفسه، فتنشط قوى الإيمان لكى تبقى.. فيبقى الإيمان بعد أن نمت قواه بضغط الكافرين عليه.. (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) هذا التدافع الحضارى، جزء من الاختبار الإلهى، وجزء من تمكين الخير من أن تزداد صلابته فى مواجهة الشر.”