“هكذا الدنيا قاسية لا قلب لها ، والناس لا يرحمون ، والحياة أشد وحشية من البحر الهائج والنار المضرمة ، فقد لا يعدم الإنسان إذا أشرف على الغرق أن يسبح وراءه السابحون ، أو إذا اشتعلت النار فى أطرافه أن يهرع ذوو النجدة ، أما فى معترك الحياة فالضحايا لا عداد لهم ، تعركهم الرحى وإخوانهم سكارى بأطماعهم ومشاغلهم ، فلكم استصرخت بغير طائل ، بل كانت ملهاة للنظارة ، ثم بعد ذلك متعة للمتمتعين ، والدنيا تضيق بمن ينشدون صيدهم بين الضحايا البائسة شردها الجوع والحرمان والأمراض. فوجدت نفسها فى دنيا الشذوذ والعناد حيث تقتتل الضحايا من كل نوع ، ضحايا الطموح الكاذب والشهوات البهيمية والفقر المُذل للأعناق ، عالم البؤس حيث لا عودة لمن مضى إليه ولا إفاقة لمن نهل من سُمه ، قذارته لا تُمحى فليس على القذر إلا المزيد من القذارة والتمرغ فى التراب. وكيف صارت بعد ذلك ؟!.. وراحمتا .. فؤاداً قاسياً وقلباً كافراً ولساناً دنساً ونفساً تنضح بالخبث واللؤم والكراهية ، على وجهها الطلاء وفى جسمها المرض وملء روحها الشر ومن مراتعها السجون ..”