“كنت مع أولادي الثمانية وأسرتي في مصيف قرنايل، ثم سافروا جميعا إلى حلب، وتلبثت وحدي في خلوة شعرية، فقلتأين الضجيجُ العذبُ والشَّغَبُ؟ أين التَّدارسُ شابَهُ اللعبُ؟ أين الطفولة في توقُّدها؟ أين الدُّمى، في الأرض، والكتب؟ أين التَّشَاكسُ دونما غَرَضٍ؟أين التشاكي ما له سبب؟ أين التَّباكي والتَّضاحُكُ، في وقتٍ معًا، والحُزْنُ والطَّربُ؟ أين التسابق في مجاورتي شغفًا، إذا أكلوا وإن شربوا؟ يتزاحمون على مُجالَستيوالقرب منِّي حيثما انقلبوا فنشيدهم "بابا" إذا فرحوا ووعيدهم "بابا" إذا غضبواوهتافهمْ "بابا" إذا ابتعدوا ونجيُّهمْ "بابا" إذا اقتربوا بالأمس كانوا ملءَ منزلنا واليومَ -ويح اليومِ- قد ذهبوا ذهبوا، أجل ذهبوا، ومسكنهمْ في القلب، ما شطّوا وما قَرُبوا إني أراهم أينما التفتت نفسي، وقد سكنوا، وقد وثبوا وأُحِسُّ في خَلَدي تلاعُبَهُمْ في الدار، ليس ينالهم نصب وبريق أعينهمْ إذا ظفروا ودموع حرقتهمْ إذا غُلبوا في كلِّ ركنٍ منهمُ أثرٌ وبكل زاويةٍ لهم صَخَبُ في النَّافذاتِ، زُجاجها حَطَموا في الحائطِ المدهونِ، قد ثقبوا في الباب، قد كسروا مزالجه وعليه قد رسموا وقد كتبوا في الصَّحن، فيه بعض ما أكلوا في علبة الحلوى التي نهبوا في الشَّطر من تفّاحةٍ قضموا في فضلة الماء التي سكبوا إنِّي أراهم حيثما اتَّجهتْ عيني، كأسرابِ القَطا، سربوا بالأمس في "قرنابلٍ" نزلوا واليومَ قدْ ضمتهمُ "حلبُ" دمعي الذي كتَّمتُهُ جَلَدًا لمَّا تباكَوْا عندما ركبوا حتى إذا ساروا وقد نزعوا منْ أضلعي قلبًا بهمْ يَجِبُ ألفيتُني كالطفل عاطفةً فإذا به كالغيث ينسكبُ قد يَعجبُ العُذَّال من رَجُلٍ يبكي، ولو لم أبكِ فالعَجَبُ هيهات ما كلُّ البُكا خَوَرٌ إنّي -وبي عزم الرِّجال- أبُ”