“كيف حرر ديكارت الانسان من ذلك الطغيان الدينى ؟تشكك في أدوات المعرفة من حواس وعقل لأنها من الممكن أن تخدع, وتشكك في كل ما ورثه من السلف لأنه مملوء بكل ما هو غامض, ولم يبق له بعد ذلك سوي وعي لاعلاقة له بأي شئ. واستمر الحال علي هذا النحو إلي أن جاء هوسرل فانتقد ديكارت وأعلن أن الوعي هو وعي بـالظواهر والباء هنا هي همزة الوصل. ومن هنا يمكن القول إن ثورة هوسرل, في القرن العشرين, تكمن في الباء.”
“ما هو مسار هذا الوعي؟جواب هوسرل أن الوعي اذا أراد أن يكون علي وعي بذاته فان عليه أن يسير متجها نحو الأشياء الموجودة في العالم الخارجي. وقد أطلق علي هذه الأشياء لفظ الظواهر لأنها تظهر لنا دون أن تخفي شيئا. ومعني ذلك أن الوعي علي علاقة عضوية بـالظواهر. والباء هنا مهمة للغاية لأنها تمنع انفصال الوعي عن الظاهرة.”
“إذا كانت معرفتنا بالله مؤسسة على العقل فإن الله, في هذه الحالة, يصبح موضع تساؤل ومن هنا شاع القول بأن فلسفة هوسرل قد هيمنت علي الفلسفة الألمانية فيما بين الحربين العالميتين, ثم تبنتها السلطة الكاثوليكية التي كانت متشككة في ديكارت لأنه تشكك في التراث فأذاعت أن هوسرل أفضل منه.”
“كان لفيينا الفضل في إثارة الشكوك في أفكار الوضع القائم فانهارت ميكانيكا نيوتن لأنها كانت تستند إلي زمان مطلق, ومكان مطلق. ومع انهيارها انهار كل ما هو مطلق, فنشأت نظريات علمية وفلسفية تؤسس لـ وضع قادم فدخلت في تناقض مع وضع قائم. واذا كان الوضع القائم يستند إلي ما هو مطلق, فالوضع القادم يستلزم أن يستند إلي ما هو نسبي. وبداية القرن العشرين هي بداية لازاحة المطلق من مجال العلم.”
“ابن رشد يمكن أن يكون جسرا بين العالم الاسلامي والغرب لأنه كان مؤسس الرشدية اللاتينية في أوروبا في القرن الثالث عشر, ويمكن أن يمتد بها إلي العالم الاسلامي في القرن العشرين.”
“كان الوعي هو مركز الحياة الانسانية. وجاء فرويد وأزاح الوعي من مركزيته وأدخل عليه اللاوعي الأمر الذي أحدث مزاحمة فلم يعد ممكنا الاكتفاء بتفسير ما يحدث في النفس الانسانية علي أنه محكوم بالحالات الواعية وحدها. وقد اكتشف فرويد اللاوعي عندما استعان بالأحلام في الكشف عن الرغبات المكبوتة, وقال في مؤلفه تفسير الأحلام إن الأحلام هي الطريق الملكي إلي اللاوعي, ومعني ذلك أن الأحلام هي التي تكشف عن منطق اللاوعي.”
“قد مارستُ لعبة الشطرنج واستمتعت بها إلى الحد الذي دفعني إلى اقتناء كتاب يحتوي على أهم المباريات الدولية لهذه اللعبة. ومن سمة هذه المباريات أن أحد اللاعبين يستسلم قبل نهاية المباراة بعدد من التحريكات قد يقترب من العشرة قبل أن يقال له كش ملك بصفة نهائية. ومعني ذلك أن أحد اللاعبين قد فطن إلى أنه لن يفلت من الهزيمة فاستسلم. والمفارقة هنا أن ثمة حرية للاعبين في بداية المباراة، أي أن ثمة اختيارًا في أن يحرك هذه القطعة أو تلك، ولكن ثمة لحظة يحرك فيها اللاعب قطعة ويكون هذا التحريك بداية لإغراء الخصم بتحريك مضاد يفضي بالضرورة إلى إنهاء المباراة لغير صالحه بعد عدة تحريكات. ومعني ذلك أننا نبدأ بالحرية وننتهي إلى الضرورة.”