“يا قوم، وقاكم الله من الشر، أنتم بعيدون عن مفاخر الإبداع وشرف القدوة، مبتلون بداء التقليد والتبعية في كل فكر وعمل، وبداء الحرص على كل عتيق كأنكم خلقتم للماضي لا للحاضر: تشكون حاضركم وتسخطون عليه، ومن لي أن تدركوا أن حاضركم نتيجة ماضيكم”
“ يا قوم : هوّن الله مصابكم , تشكون من الجهل ولا تنفقون على التعليم نصف ما تصرفون على التدخين , تشكون من الحكام , وهم اليوم منكم , فلا تسعون في إصلاحهم , تشكون فقد الرابطة , ولكم روابط من وجوه لا تفكرون في إحكامها , تشكون الفقر ولا سبب له غير الكسل , هل ترجون الصلاح وأنتم يخادع بعضكم بعضاً ولا تخدعون إلا أنفسكم ؟ ترضون بأدنى المعيشة عجزاً تسمونه القناعة , و تهملون شؤونكم تهاوناً تسمونه توكلاً . تموهون عن جهلكم الأسباب بقضاء الله وتدفعون عار المسببات بعطفها على القدر , ألا والله ما هذا شأن البشر! ”
“يا قوم : جعلكم الله من المهتدين ، كان أجدادكم لا ينحنون إلا ركوعاً لله ، و أنتم تسجدون لتقبيل أرجل المنعمين و لو بلقمة مغموسة بدم الإخوان ، و أجدادكم ينامون الآن فى قبورهم مستوين أعزاء ، و أنتم أحياء معوجّة رقابكم أذلاء ! البهائم تود لو تنتصب قاماتها و أنتم من كثرة الخضوع كادت تصير أيديكم قوائم ، النبات يطلب العلو و أنتم تطلبون الانخفاض ، لفظتكم الأرض لتكونوا على ظهرها و أنتم حريصون على أن تنغرسوا فى جوفها ، فإن كانت بطن الأرض بغيتكم ، فاصبروا قليلا لتناموا فيها طويلا”
“طبائع الاستبداد الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى الفرّاش، إلى كنّاس الشوارع، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أي كانت ولو بشراً أم خنازير، آبائهم أم أعدائهم، وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه، وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته، فكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى زيداة جيش المتمجدين العاملين له المحافظين عليه، واحتاج إلى مزيد الدقة في اتخاذهم من أسفل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة، واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة, وهي أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أعلاهم وظيفةً وقرباً، ولهذا لا بد أن يكون الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة.تواسي فئة من أولئك المتعاظمين باسم الدين الأمة فتقول ((يا بؤساء: هذا قضاء من السماء لا مرد له، فالواجب تلقيه بالصبر والرضاء والالتجاء إلى الدعاء، فاربطوا ألسنتكم عن اللغو والفضول، واربطوا قلوبكم بأهل السكينة والخمول، وإياكم والتدبير فإن الله غيور، وليكن وردكم: اللهم انصر سلطاننا، وآمنّا في أوطاننا، واكشف عنّا البلاء، أنت حسبنا ونعم الوكيل.”
“ليس من شأن الشرقي أن يسير مع الغربي في طريقٍ واحدة، فلا تطاوعه طباعه على استباحة ما يستحسنه الغربي، وإن تكلَّف تقليده في أمر فلا يُحسن التقليد، وإن أحسنه فلا يثبت، وإن ثبت فلا يعرف استثماره”
“المستبد لا يستغنى عن أن يستمجد بعض افراد من ضعاف القلوب الذين هم كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتخذهم كنموذج البائع الغشاش، على انه لا يستعملهم في شئ من مهامه فيكونون لديه كمصحف في خمارة او سبحة في يد زنديق . وربما لا يستخدم بعضهم في بعض الشئون تغليطآ لأذهان العامة في أنه لا يتعمد استخدام الأراذل والأسافل فقط ، ولهذا يقال أن دولة الاستبداد دولة بله واوغاد..عبدالرحمن الكواكبي، الاعمال الكاملة..”
“ الاستبداد يضطر الناس إلى استباحة الكذب والتحيل والخداع والنفاق والتذلل , وإلى مراغمة الحس وإماتة النفس ونبذ الجد وترك العمل، وينتج من ذلك أن الاستبداد المشؤوم هو يتولى بطبعه تربية الناس على هذه الخصال الملعونة . بناءً عليه يرى الآباء أن تعبهم في تربية الأبناء التربية الأولى على غير ذلك لا بد أن يذهب عبثاً تحت أرجل تربية الاستبداد ”