“الفكر الغوغائي هو هبوب ترابي .. غباري كريح الخماسين يملأ الجو و يعمي البصر .. و يحول دون فتح العيون …في حين أن "الفكر الديموقراطي" ريح صافية تسمح بالجدل و الأخذ و الرد و تنتج رأياً .. و إذا اشتدت الريح أحياناً و حدث تصادم في الآراء فإن ذلك يكون كاحتكاك حجر بحجر ينتج ضوءاً ينير جوانب المسألة …”
“يمكننا أن نستفيد من ( ماركس ) في الاقتصاد ، و (دور كايم ) في علم الاجتماع ، و (فرويد ) في علم النفس ، فليس كل ما كتبوه باطلا ، كما ليس كل ما كتبوه معصوما . المهم أن يكون لنا حق النقد ، و حق الاختيار ، و أن نأخذ و ندع من الفكر الغربي وفق معاييرنا نحن ، و أن نخرج عقولنا و أنفسنا من ( جحر الضب ) الذي وقع فيه عبيد الفكر الغربي بشقيه : الليبرالي و الاشتراكي .”
“و الحاصل أن الفكر الصحيح يوجد بالشجاعة و هي ههنا قسمان: شجاعة في رفع القيد الذي هو التقليد الأعمى و شجاعة في وضع القيد الذي هو الميزان الصحيح الذي لا ينبغي أن يقرر رأي و لا فكر إلا بعد ما يوزن به و يظهر رجحانه، و بهذا يكون الإنسان حرا خالصا من رق الأغيار، عبدا للحق وحده”
“و أخيراً أليس هو الله الذي قدر الموت و الحياة، و استخلف جيلاً بعد جيل، و لو عاش الأولون لضاقت الأرض بهم و بالآخرين؛ و لأبطأ سير الحياة و الحضارة و التفكير، لأن تجدد الأجيال هو الذي يسمح بتجدد الأفكار و التجارب و المحاولات، و تجدد أنماط الحياة، بغير تصادم بين القدامى و المحدثين إلا في عالم الفكر و الشعور. فأما لو كان القدامى أحياء لتضخم التصادم و الاعتراض! و لتعطل موكب الحياة المندفع إلى الأمام!”
“انضمام رجل الفكر إلي حزب من الأحزاب معناه تقيده و التزامه بتفكير الحزب … و هذا الإلتزام يناقض الحرية التي هي جوهر رسالته الفكرية … لأن التزامه بمذهب حزبه يحرمه مباشرة سلطة الفكر في المراقبة و المراجعة … هذه السلطة الحرة التي هي أساس مسئوليته الحقيقية … و هو بذلك إما أن يخضع و يرضخ لحزبه و ينزل راضياً مختاراً عن وظيفة رجل الفكر و يصبح رجل عمل … و إما أن يصر علي الصمود و الاحتفاظ بسلطة وظيفته الفكرية و يناقش أفكار حزبه و يطورها بمطلق الحرية التي تخولها له مسئولية رجل الفكر الحر و عندئذ سيجد نفسه مفصولاً عن الحزب و مطروداً أو مضطهداً …”
“سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام كان يصلي أحياناً فيأتي حفدته الصغار فيمتطون ظهره و هو راكع فيطيل هو في ركوعه لتطول متعة أولئك الصغار الأبرياء و لم يقل أحد كيف يفعل النبي ذلك و هو في صلاته في حضرة الله تعالي ? أليس في ذلك ما يمس واجب التبجيل و التوقير للخالق !و هم لا يعلمون أن الله في علاه و عظمته ليس في حاجة إلي تبجيل و تقدير إذا كان فيما حدث متعة بريئة لأطفال أبرياء …و ما أورده الترمذي من أن عمرو بن العاص دخل ذات يوم المسجد و صلي جنب فذهب الناس إلي النبي الكريم و أخبروه بذلك فسأله النبي .. فقال عمرو بن العاص لرسول الله : إن اليوم كان شديد البرد و ما كان يحتمل الاغتسال في ذلك البرد. فابتسم النبي و تركه و انصرف.”