“رأى الفيلسوف "كانت" مدى العقبات التي تعترض طريق الأخلاق إذا اعتمدت على الضمير الفردي كمصدر فريد .. وشعر أنه لا بد من اللجوء إلى سلطة عليا تفصل في الأمر ... واعتقد أنه وجدها في العقل في صورته الصافية المجردة برغم اعترافه بعجز العقل عن التوصل إلى تحديد الواجبات الإنسانية، وسوف نرى عدم كفاية هذه السلطة في القيام بهذه المهمة.إذن الناس في حاجة إلى قاعدة صالحة للتطبيق على فطرتهم .. فأين يجدون هذا النور الذي يهدي الضمائر .. ويخلصها من الظلام .. ومن الشكوك؟ ليس هناك سوى إجابة واحدة تفرض نفسها. إذ لا يوجد من يعرف مادة الروح وقانون سموها وكمالها سوى خالقها .. {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك: 14)، فمن ذلك النور اللانهائي التمس نوري، وإلى ذلك الضمير الأخلاقي المطلق أتوجه لهداية ضميري.فبدلا من أن نقول "العقل المحض" نقول "العقل العلوي"، وبدلا من الاستناد إلى تجريد ذهني تصوري، نلجأ إلى "الحي القيوم العليم الخبير" .. إلى "العقل الإلهي" فنور الوحي وحده هو الذي يتمم نور الفطرة، لأن الشرع الإلهي الإيجابي هو الذي يكمل القانون الأخلاقي الفطري المغروس في النفوس...”
“إن العبقري النادر هو الذي يجمع بين العقل والجنون، وبين السعي والكسل، وبين الإرادة واللامبالاة ونود الآن أن نقول إضافة إلى ذلك : أنه يتصف بالتفكير الفطري والمدني معاً. وربما صح القول: بأن العبقرية هي اجتماع النقائض في شخصية واحدة”
“الإنسان الأول قد اهتدى إلى فكرة "الروح" من نواحيه التي تلائمه، فكانت هذه الهداية مفرق الطريق في الثقافة الإنسانية سواء منها ثقافة العقل أو ثقافة الضمير.”
“إن تجديد عقل ما يحتاج إلى مخاطبة هذا العقل بالأسلوب الذي تعود الإنصات إليه ، وكلما أمكن : بالوسائل التي يستعملها هو نفسه . إن ذلك هو السبيل الوحيد الذي يجعل العقل المراد تجديده ينصت ويستوعب . أما اصطنطاع الغموص أو عدم التمكن من التحرز منه ، أما نقل الأفكار في نفس غلافها الأصلي وعدم القدرة على إلباسها غلافا يأنس العقل المنقول إليه ، أما الطريقة التي يكتب بها كثير من دعاة التجديد في الفكر العربي المعاصر ، فإن رد الفعل إزاءها ، من طرف العقل الذي تخاطبه ، لن يختلف عن رد أبي سعيد السيرافي إزاء التراجمة التي كانوا يلتزمون النقل الحرفي ويكتبون بلغة غير بيانية وغير مبينة ، رد الفعل الذي عبر عنه السيرافي بقوله : لا سبيل إلى إحداث لغة في لغة مقررة بين أهلها”
“قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين؟"..و هو سؤال المزعزع العقيدة، الذي لا يطمئن إلى ما هو عليه، لأنه لم يتدبره و لم يتحقق منه. و لكنه كذلك معطل الفكر و الروح بتأثير الوهم و التقليد. فهو لا يدري أي الأقوال حق. و العبادة تقوم على اليقين لا على الوهم المزعزع الذي لا يستند إلى دليل! و هذا هو التيه الذي يخبط فيه من لا يدينون بعقيدة التوحيد الناصعة الواضحة المستقيمة في العقل و الضمير.”
“هنا في الثقافة العربية الإسلامية يطلب من العقل أن يتأمل الطبيعة ليتوصل إلى خالقها : الله. وهناك في الثقافة اليونانية - الأوروبية يتخذ العقل من الله وسيلة لفهم الطبيعة أو على الأقل ضامناً لصحة فهمه لها. هذا إذا لم يستغن عنه بالمرة, أو لم يوحد بينهما.”