“طالما لم يوضع الوهم في مواجهة مع الحقيقة, فلا يظهر على أنه وهم, وطالما لا توضع الحياة "في الكذب" في مواجهة الحياة "في الحقيقة" فلا يوجد احتمال أن ينكشف زيفها. وما أن يصبح هذا الاحتمال وارداً فإن وجودها يصبح مهددا من جذوره وبالكامل. ولا يهم حجم المساحة التي تحتلها هذه الإمكانية. فإن قوتها ليست في جانبها المادي, لكن في الضوء الذي تصدره دعامات النظام والتي تنقض على اساسها الهش: فبائع الخضراوات لم يهدد تركيبة السلطة بشخصه وبقوته الحقيقية, لكن هددها بأبعاد ما فعله, وتجاوزه إياه, بما أشعه على البيئة المحيطة به - وبالطبع بالنتائج الغير محسوبة التي ستسفر انتشار هذه الأشعة.”
“ومن حق كل وليد أن يجد من الكفاية الغذائية، والرعاية التربوية، ما يجده كل وليد آخر في الدولة. فإذا حدث أن كان دخل أبويه أو ظروفهما المعيشية لا تمكنهما من توفير هذه الفرصة له، فإن على الدولة أن توفر لهما هذه الظروف .. لا لحسابهما وحدهما كعضوين في هذاالمجتمع، بل لحساب هذا الوليد، الذي يصبح تكافؤ الفرص بالقياس له خرافة، إذا نشأ ناقص التغذية، أو مهملا في البيئة، بينما هناك ولدان آخرون محظوظون تتاح لهم هذه الفرصة دونه في الحياة.”
“ولا بد لصاحب العقيدة أن يتعامل مع هذا الوجود الكبير؛ ولا يحصر نفسه ونظره وتصوره واهتمامه ومشاعره في عالم الأرض الضيق الصغير.. لا بد له من هذا ليؤدي دوره اللائق بصاحب العقيدة. هذا الدور الشاق الذي يصطدم بحقارات الناس وأطماعهم، كما يصطدم بضلال القلوب والتواء النفوس. ويعاني من مقاومة الباطل وتشبثه بموضعه من الأرض ما لا يصبر عليه إلا من يتعامل مع وجود أكبر من هذه الحياة، وأوسع من هذه الأرض، وأبقى من ذلك الفناء.. إن مقاييس هذه الأرض وموازينها لا تمثل الحقيقة التي ينبغي أن تستقر في ضمير صاحب العقيدة. وما تبلغ من تمثيل تلك الحقيقة إلا بقدر ما يبلغ حجم الأرض بالقياس إلى حجم الكون؛ وما يبلغ عمر الأرض بالقياس إلى الأزل والأبد. والفارق هائل هائل لا تبلغ مقاييس الأرض كلها أن تحدده ولا حتى أن تشير إليه ! ومن ثم يبقى صاحب العقيدة في أفق الحقيقة الكبيرة مستعليا على واقع الأرض الصغير. مهما تضخم هذا الواقع وامتد واستطال. يبقى يتعامل مع تلك الحقيقة الكبيرة الطليقة من قيود هذا الواقع الصغير. ويتعامل مع الوجود الكبير الذي يتمثله في الأزل والأبد. وفي ملك الآخرة الواسع العريض. وفي القيم الإيمانية الثابتة التي لا تهتز لخلل يقع في موازين الحياة الدنيا الصغيرة الخادعة.. وتلك وظيفة الإيمان في حياة أصحاب العقائد المختارين لتعديل قيم الحياة وموازينها، لا للتعامل بها والخضوع لمقتضياتها...”
“هل هي ضرورة قصوى أن نشعر بذلك القبول من الآخر ,ليستحق الأمر الباهظ الثمن الذي ندفعه؟ هل يجب أن نثبت أن خيارات الآخر غير صائبة , فنلجأ بذلك إلى زرع وهم اسمه الحقيقة أو العرف ؟ وبأي حق نزعم أن المعرفة ثابتة إن لم نشاهد كل ما على هذه الأرض بعد ؟ ... كل ما حولنا عرضة للتحول , ولكننا نعلق في ما ندّعي أنه الحق المطلق خوفا من التغيير , من المفآجات في الحياة فنجهض ما نريد وما لا نريد في آن .”
“(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة , ولا تنس نصيبك من الدنيا). . وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم . المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة . ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة . بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفا , كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها . لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس ; وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها , فتنمو الحياة وتتجدد , وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض . ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة , فلا ينحرفون عن طريقها , ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها . والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم , وتقبل لعطاياه , وانتفاع بها . فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها الله بالحسنى . وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان , ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة , التي لا حرمان فيها , ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة .”
“بداخلي يقين بأننا جميعاً- كل البشر -لم نخلق لنعيش على هامش الحياة ، لم يخلقنا الله لنكون صفر على الشمال في معادلة الحياة ! ،بل خُلقنا لنكون اعداد مؤثرة في هذه الدنيا ،ولتحقيق هذه الغاية <غاية تعمير الأرض و وضع بصمة في الحياة> خلق الله لكل انسان منا موهبة تجعله يختلف ويتميز على غيره من البشر ، لكن الله حين وضع في كل انسان منا كنزه الخاص به "موهبته" لم يجعل هذا الكنز سهل الاكتشاف بل جعل اكتشافه بحاجه الى الكثير من العمل والبحث والتنقيب داخل النفس.وهنا يبدأ التمايز والاختلاف بين البشر ، فالانسان المميز الذي له اثر واضح في الحياة او على الاقل في محيطه هو الانسان الذي بحث ونقب داخل نفسه حتى وصل لكنزه واستغله ، اما الانسان الذي عاش على هامش الحياة فهو الانسان الذي لم يجهد نفسه بالبحث عن موهبته التي خلقها الله فيه”