“أسبِّحُ باسمك اللهُ وليس سواكَ أخشاهُ وأعلَمُ أن لي قدراً سألقاهُ …. سألقاه وقد عُلِّمتُ في صغري بأن عروبتي شرفي وناصيتي وعنواني وكنا في مدارسنا نردد بعضَ الحانِ “بلاد العُرب أوطاني .. وكل العرب أخواني” وكنا نرسمُ العربيَّ ممشوقاً بهامتِه لَهُ .. صدرٌ يصدُّ الريحَ إذ تعوي .. مهاباً في عباءته وكنا مَحْضَ أطفالٍ تحرّكنا مشاعرُنا ونسْرحُ في الحكايات التي تروي بطولتَنا وأن بلادنا تمتد من أقصى إلى أقصى وأن حروبنا كانت لأجْل المسجدِ الأقصى وأن عدوَّنا صهيونَ شيطانٌ له ذيلُ وأن جيوش أمتِنا لها فعلٌ كما السّيلُ سأُبحرُ عندما أكبرْ أمرُّ بشاطئ البحرين في ليبيا وأجني التمرَ من بغدادَ في سوريا وأعبر من موريتانيا إلى السودان أسافر عبْر مقديشيو إلى لبنان وكنتُ أخبئ الألحان في صدري ووجداني “بلاد العُرْب أوطاني .. وكل العرب أخواني” وحين كبرتُ .. لم أحصلْ على تأشيرةٍ للبحر .. لم أُبحرْ وأوقفني جوازٌ غيرُ مختومٍ على الشباك .. لم أعبرْ كبُرتُ أنا وهذا الطفل لم يكبرْ * * * تقاتِلُنا طفولتُنا وأفكارٌ تعلَّمنا مبادءَها على يدِكم أيا حكامَ أمتِنا ألستم من نشأنا في مدارسكم ؟ تعلَّمنا مناهجَكم ألستم من تعلمنا على يدكم بأن الثعلبَ المكارَ منتظِرٌ سيأكل نعجةَ الحمقى … إذا للنوم ما خَلَدُوا ؟ ألستم من تعلمنا على يدكم بأن العودَ محميٌّ … بحزمته ضعيفٌ حين ينفرد ؟ لماذا الفُرقةُ الحمقاءُ تحكمُنا ؟ ألستم من تعلمنا على يدكم أن اعتصموا بحبل الله واتحدوا ؟ لماذا تحجبون الشمسَ بالأَعلام؟ تقاسمتم عروبتَنا ودَخَلاً بينكم صِرنا … كما الأنعام سيبقى الطفل في صدري يعاديكم تقسّمنا على يدكم فتبت كل أيديكم أنا العربيُّ لا أخجلْ وُلِدتُ بتونسَ الخضراءِ من أصلٍ عُمَانيٍّ وعُمري زادَ عن ألفٍ وأمي لم تزل تحبَلْ أنا العربي في بغدادَ لي نخلٌ وفي السودانِ شرياني انا مصريُّ موريتانيا وجيبوتي وعَمَّانِ مسيحيٌّ وسني وشيعي وكردي وعلوي ودرزي .. أنا لا أحفظُ الأسماءَ والحكامَ إذ ترحلْ سَئِمنا من تشتُتِنا وكلُّ الناسِ تتكتّل ملأتُمْ دينَنَا كذباً وتزويراً وتأليفا أتجمعنا يدُ الله ؟ وتبعدنا يد (الفيفا) ؟؟ هجرْنا دينَنا عَمْدا فَعُدنا الأَوْسَ والخزرج ونعبدُ نارَ فتنتِنا وننتظرُ الغبا مَخرج * * * أيا حكامَ أمتنا سيبقى الطفلُ في صدري يعاديكم يقاضيكم ويعلنُ شعبَنا العربيَّ مُتَّحِدا فلا السودانُ منقسمٌ ولا الجولانُ محتَلٌّ ولا لبنانُ منكسرٌ يداوي الجرحَ منفردا سيجمعُ لؤلؤاتِ خليجِنا العربيِّ في السودان يزرعُها فيَنبتُ حبُّها في المغربِ العربيِّ قمحاً يعصُرون الناسُ زيتاً في فلسطينَ الأبيّةِ يشربون الأهلُ في الصومال أبدا سيُشعلُ من جزائرِنا مشاعلَ ما لها وهنُ إذا صنعاءُ تشكونا فكلُّ بلادِنا يمنُ سيخرجُ من عباءتِكم – رعاها الله – للجمهور مُتَّقِدا هو الجمهورُ لا أنتم أتسمعني جحافلُكم ؟ أتسمعني دواوينُ المعاقلِ في حكومتِكم ؟ هو الجمهور لا أنتم ولا يخشى لكم أحدا هو الإسلام لا أنتم فكفّوا عن تجارتكم وإلا صار مرتدا وخافوا .. إن هذا الشعبَ حمَّال وإن النوقَ إن صُرِمَتْ فلن تجدوا لها لبناً ولن تجدوا لها ولدا أحذِّرُكم .. سنبقى رغم فتنتِكم فهذا الشعبُ موصولُ حبائلُكم وإن ضَعُفَتْ فحبلُ اللهِ مفتولُ أنا باقٍ .. وشرعي في الهوى باقِ سُقِينا الذلَّ أوعية .. سُقينا الجهلَ أدعية ملَلْنا السقْيَ والساقي سأكبرُ تاركاً للطفل فرشاتي وألواني ويبقَى يرسم العربيَّ ممشوقا بهامته ويبقى صوتُ ألحاني “بلاد العرب أوطاني .. وكل العرب أخواني”

هشام الجخ

هشام الجخ - “أسبِّحُ باسمك اللهُ وليس سواكَ أخشاه...” 1

Similar quotes

“ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، فلا يقفن أحد في وسط الطريق , وقد مضى في الجهاد شوطا ; يطلب من الله ثمن جهاده ; ويمن عليه وعلى دعوته , ويستبطئ المكافأة على ما ناله ! فإن الله لا يناله من جهاده شيء . وليس في حاجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل: (إن الله لغني عن العالمين). وإنما هو فضل من الله أن يعينه في جهاده , وأن يستخلفه في الأرض به , وأن يأجره في الآخرة بثوابه.”

سيد قطب
Read more

“كل من لا يلتبس عليه الوضع في سوريا يصبح مطعوناً بمصداقيته , وكل من يملك رأياً واضحاً مسبقاً هو غير الواضح , وكل من يبرّر لظالم هو جاهل وكل من يتعطش للفوضى هو مغامر , وكل من لا يصرخ بصوت أعلى من صوت السلفية ليس بثائر حقيقي .. لأنّ الحرية والثورة لن تكونا على يد سلفيّة ولا عشائرية ولا رجعية ستعيدنا مئات السنين إلى الوراء . من لم يحرّر نفسه لا يستطع أن يحرّر وطنه . سوريا في أمس الحاجة للمعارضة الواعية اليوم .”

غدي فرنسيس
Read more

“كنت مسرعاً نحو غاية لا أعرفها، في لحظة ما أدركت أنني لا أعرفني! وأن ما مضى من عمري لم يعد موجوداً.كانت الأفكار والصور تمر علي خاطري ولا تثبت، تماما كما تمر قدماي على الأرض، فلا تقف. شعرت أن كل ما جرى معي، وكل ما بدا أمامي في أيامي وسنواتي الماضية، لا يخصني..أنا آخر، غير هذا الذي كان، ثم بان!”

يوسف زيدان
Read more

“ ...وهل للحديث عن ذلك من نهاية ؟ بعض الحديث وضعته، بشكل ما في رواياتي، وبعضه جعلته مبثوثاً في دراساتي وحواراتي. ولكن معظمه سيبقى في انتظار من له القدرة والصبر والحب لإستقرائه من أوراق ورسائل ومصادر أخرى لا حصر لها .. هذا إذا لم تبددها الزوابع، أو تغرقها السيول، فتبقى على نحو يمكن الدارس من الرجوع إليها، في يوم ما، في زمن قريب أو بعيد "27 شباط 1994”

جبرا ابراهيم جبرا
Read more

“لأصل للفن أنه وجدان مفتوح على الكون، إنه قلب اتسعت أقطاره لترى ما في الدنيا مما صنع الله فيها من جمال."من الممكن أن تتحول الفنون إلى عوامل بناء لا إلى عوامل هدم، وأنا أرفض أن يجيء إنسان فيفرض انسحابه من هذه الدنيا على الناس، ويقول لهم: اتركوا هذه الفنون، لا، لا أتركها "وهناك أناس اتصلوا بالدين من جانب ضيق فيه، وأحبوا ويحبون أن يكون الدين كآبة، ويحبون أن تكون نظرتهم له نظرة فيها ضراء وبأساء، وهذا مرفوض، فإن الله (سبحانه وتعالى) لما شرح لنا علاقة الخلق به لم يشرحها على هذا النحو، بل قال: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون" (الأعراف: 32)، أي هي لهم في الدنيا يشاركهم فيها غيرهم من الكفار، ولكنها تخلص لهم وحدهم يوم القيامة، وبين أن الذي حرمه معروف "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" (الأعراف: 33).من غير شك، الفنون ينبغي أن يكون لها مجال في حياتنا، وألفت النظر إلى أن الإباحة هي الأصل في الكون "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا" (البقرة: 29). أنا أرى أنه من الممكن أن تتحول الفنون إلى عوامل بناء لا إلى عوامل هدم، وأنا أرفض أن يجيء إنسان فيفرض انسحابه من هذه الدنيا على الناس، ويقول لهم: اتركوا هذه الفنون، لا، لا أتركها، أنا أحولها إلى ما يخدم مبادئي وأهدافي.”

محمد الغزالي
Read more