“الإجماع هو المصدر النقلي التبعي الثالث من مصادر التشريع الإسلامي. و لعل أفضل تعريف له هو اتفاق المجتهدين من أمة محمد، بعد وفاته، في عصر من العصور، على حكم شرعي.[....]و لئن قيّد اتفاق المجتهدين في التعريف بما وقع في (عصر من العصور) فقد قصد بهذا التقييد من وجد في كل عصر من أهل الاجتهاد الذين يتصور منهم الاتفاق أو الاختلاف، إذا ما نوقشت مسألة من المسائل. و ليس المراد، بطبيعة الحال، جميع المجتهدين في جميع العصور حتى يبدل اله الأرض غير الأرض و السماوات، فلو اشترط ذلك لكان محيلاً لتحقيق الإجماع.[...]و جدير بالذكر أن ما انتصب من الأدلة على كون الإجماع حجةً من صريح الكتاب و السنة لا يجوز أن يفرّق بين عصر و آخر. و ليس مردّ هذا الحكم ما نبهنا عليه في التعريف من وقوع الاتفاق بعد وفاة النبي، و إنما مردّه ما قد يُتوهم من أن هذا الإجماع ينبغي أن يحصر في عصر الصحابة، لأن في الإجماع ضرباً من (التوقيف). و إنما شهد ذلك (التوقيفَ) صحابةُ الرسول، و لا سيما بعد أن أشاد الرسول بصحابته و قال: (أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم).و الحق أن الصحابة الذين شهدوا (التوقيف) قد نقلوه، أو نقله معظمهم، إلى من بعدهم، فكان أتباعهم في حكم الحاضرين المشاهدين. و على ذلك، يعتبر حجةً إجماع المجتهدين في أي عصر، و لا يختص هذا الحكم بعصر الصحابة.”