“وكان الخطاب السياسي العراقي أول ما فتح الباب لإثارة البعد القومي او العرقي، مرة بتسمية المعركة ضد إيران باسم "القادسية" ، استلهاما من المعركة الأولى للمسلمين ضد الفرس، التي انتصر فيها جيش المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص، على "رستم" قائد جيش الفرس. رغم أن المواجهة لم تقم في الأساس على صراع العرب والفرس، وإنما كان أساسها هو صراع الإسلام ضد الشرك.”
“قد كان مناخ الستينيات في إيران ذروة المواجهة مع قوى الاستعمار وأذنابه وكانت الجماهير معبأة ومشحونة وجاهزة للانفجار بعد أن تتابعت حلقات الثورة في المنطقة فقد انفجر الموقف في سوريا سنة 1949، وتزلزل عرش الشاه بعد تأميم نفط إيران على يد محمد مصدق سنة 1952 ، وقامت ثورة يوليو في مصر سنة 1952 ،وتتابعت بعدها الثورات في العراق واليمن، الشمالي والجنوبي، والجزائر وهو ما ارتبط بظهور منظمة فتح الفلسطينية ، وفي هذا المناخ قد قامت العاصفة ضد الشاه ودوّت العبارات الرافضة للنظام ولكل رموزه وممارساته”
“و إذا كان الشعور بالولاء قد دفع الألوف من مسلمي الهند إلى هجرة أهلهم و ديارهم إلى أفغانستان عندما خاضت بريطانيا الحرب ضد الخلافة العثمانية ، معتبرين أن بلادهم - و هي المستعمرة البريطانية - قد صارت "دار حرب" واجبة الترك ، فإن الشعور بالانتماء دفع الإيرانيين للذهاب إلى ما هو أبعد ، إذ اعتبروا أن استمرار الاغتصاب الإسرائيلي لفلسطين بمثابة عدوان على ديار الإسلام . يظل رده مسئولية كل مسلم . فوقفوا دون تردد إلى قضية الثورة . و اعتبروا منذ للحظة الأولى أن مكانهم الطبيعي في الخندق الفلسطيني . واستعصى عليهم - ولا يزال - أن يفهموا غير لغة النضال المسلح ضد اسرائيل ، بقدر ما أنهم لم يتصوروا لهم مكانا خارج المربع الفلسطيني .”
“ما أن أطلت الخمسينيات حتى ظهرت على الساحة منظمة "فدائيان إسلام" بقيادة أحد الفقهاء الشبان وهو "نواب صفوى" معلنة الكفاح المسلح ضد الشاه وبطانته في صحيفتها الشهيرة "منشور برادري" أو نشرة الاخوة وكتابها الأساسي "بيان فدائيان إسلام" أو دليل الحقائق. في ذلك الكتاب الذي طبع سنة 1950 يقول نواب صفوي صراحة : إيران ببركة الحكومة الخائنة انتشر فيها الفقر والمرض والجهل، وهاهم أبناء الشعب يصرخون ويستغيثون ولكن الحكومة الظالمة ورجالها اللصوص لا يسمعون أصواتهم- أيها المجرمون الخونة إيران دولة إسلامية وأنتم لصوص وغاصبون للحكومة الإسلامية. ولم تكتف المنظمات بالبيانات وإنما قامت بتصفية العديد من رموز النظام جسديا”
“هناك بعد آخر مهم في هذا الصدد هو أن إيران القومية ليست بحاجة إلى العالم العربي بينما إيران الإسلامية بحاجة حقيقية إليه.فالعالم العربي بالنسبة للأولى سوق أو منافس في انتاج النفط أو محيط استراتيجي - غير أن الصيغة الثانية تتعامل مع العالم العربي - فوق ذلك - بحسبانه معقل الأغلبية السنية، أي قيادة 90% من الأمةالإسلامية، التي يشكل الشيعة فيها 10% فقط، 40% منهم في إيران، والباقي في دول أخرى آسيوية بالدرجة الأولى، حتى في الجانب الشيعي التي تقف فيه إيران الإسلامية فإن أهم مقدساته في العالم العربي.سواء ما كان منها في مكة والمدينة، أو مزاراته في العراق التي سبقت الإشارة إليها. حيث توجد هناك سبعة من أضرحة أئمة الشيعة الإثنى عشر.”
“و سيظل عسيرا على العالم العربي ، أن يستوعب مدى تعلق أعاجم المسلمين بدينهم ، ما لم يدرك حقيقة المشاعر الجياشة التي تعمل بين جنبات تلك الملايين المؤمنة . المبعثرة بين "غانه وفرغانه" بتعبير الجغرافيين العرب القدامى ، أولئك الذين تلقوا الإسلام منذ قرون ، ثم تقطعت بيننا و بينهم السبل ، بعد إذ تغيرت خرائط التاريخ و أقيمت حوائط الجغرافيا . لكنهم ظلوا قابضين على الجمر . قلوبهم تتحرق شوقا إلى وصل ما انقطع مع ديار الإسلام ، و أحلامهم العطشى - و أبصارهم - تعلقت بالعالم العربي . الذي هو عندهم منبر الإسلام و بيته ، و فيه كعبة المسلمين و قبلتهم .”
“ترفع عينيك فإذا أكبر ميدان للشهيد ، و إذا بأسماء الشهداء منقوشة على الشوارع و الأزقة ، حتى تكاد تصبح خارطة إيران بمثابة "دليل" للشهداء ، و هو دليل تتسع دائرته لتشمل بعضا من الشهداء العرب ، المصريين خاصة الذين قتلهم الظلم . فهناك شارع باسم " أستاذ حسب بنا" و آخر باسم "سيد قطب" و ثالث باسم "خالد الاسلامبولي" و رابع باسم " سليمان خاطر" . الوحيد من الأحياء المصريين الذين أطلق اسمه على شارع هو "شيخ عبد الحميد كشك المصري" . تسأل عن السبب فيقال لك : ألم يقف الرجل إل جانب شهدائنا في الحرب ؟”