“لم يراودني الشك لحظة في أنني سأعود، لكن ما كان يؤرقني دائمًا الحالة التي سأكون عليها عندما أعود. في البعيد يصبح كل شيء غامضًا، حتى أنت، حين تحاول ذاكرتك القبض على الوجوه والأشياء، لا تقبض سوى على ضبابها. ليس ثمة بطولة في البعد، إن لم تسر عكسه، كما لم يكن هناك بطولة في الموت إن نسيت لحظة أنه عدوّك المتقدم فيك، وفي من تحب، وما تحب، وأن كل ما تفعله هو أنك تقف في وجهه، غير عابئ بعدد أولئك الذين يقفون معك أو عدد الذين يقفون ضدك.. أفكر أحيانًا، فأقول، كان يمكن أن نتخفف من كل هذا الموت، لو أن العالم يسمح لنفسه بين حين وآخر أن يكون أكثر عدلًا، يؤرقني أن فكرة جميلة كالحرية لا تتحقق سوى بجمال موتك، لا بجمال حياتك، وهو جمال يكفي ويفيض؛ ويؤرقني أن البطل يصبح بطلًا أفضل كلما ازداد عدد الأموات حوله أوفيه، وأن أم الشهيد تصبح أكثر قدسية، وبطولة حين يستشهد لها ولد آخر؛ يؤرقني أننا تحولنا إلى سلالم لجنةٍ هي في النهاية تحتنا، ولو كان الوطن في السماء لكنا وصلنا إليه من زمنٍ بعيد. في السجن، كان يقول لي المحقق: اعترف، فأقول له: وبماذا أعترف؟ ما أعرفه لا يمكن أن يكون في النهاية أكثر أهمية من نفسي بحيث أقايضه بها، ولا يمكن أن تكون نفسي أكثر أهمية منه بحيث أقايضها به.”
“يؤرقنى أن فكرة جميلة كالحرية لا تتحقق سوى بجمال موتك، لا بجمال حياتك، وهو جمال يكفي ويفيض ، ويؤرقنى أن البطل يصبح بطلًا أفضل كلما ازداد عدد الأموات حوله أو فيه، وأن أم الشهيد تصبح أكثر قدسية، وبطولة حين يستشهد لها ولد آخر، يؤرقني أننا تحولنا إلى سلالم لجنةٍ هي فى النهاية تحتنا، ولو كان الوطن فى السماء لكنا وصلنا إليه من زمنٍ بعيد”
“إن أسوأ فكرة خطرت للإنسان : أن يكون بطلا في الحرب , و هناك ألف مكان آخر يمكن أن يكون فيها بطلا حقيقيا . و لكن هذه الحرب فرضت علينا , و لم نخضها كي نصبح أبطالا , بل خضناها لكي نكون بشرا , كرمهم سبحانه و تعالى حين قال : ( و لقد كرمنا بني آدم ) صدق الله العظيم . نحن لا نريد أكثر من أن نكون بشرا . أما ما أحلم به , فهو أن تكونوا أبطالا كلكم بعد هذا الحصار . فالبطولة في أن تبنوا بلادكم بأمان , و أن تزرعوا أشجاركم بأمان , و ألا تخافوا على أطفالكم , لأنهم محاطون بالأمان . سيصبح كل رجل بطلا حين يتجول في الطرقات , كما شاء , دون أن يعترض طريقه أحد , أو ينال من كرامته أحد , أو يسرق قوت عياله أحد , أو يعبث بحياته أحد , أو يقيد حريته أحد . و تكون البطولة , حين تسير امرأة بمفردها فيهابها الجميع , لأنها بطلة على جانبيها أطياف مئات البطلات و الأبطال . أريد شعبا كاملا من الأبطال , لا شعبا من الخائفين بين هذين البحرين : بحر الجليل و بحر عكا . البطولة الحقيقية في أن تكونوا آمنين إلى ذلك الحد الذي لا تحتاجون فيه إلى أية بطولة أخرى ..”
“لم تترك فرصة رؤيتنـا مجتمعين تفلت من بين يديها, فرحَةً كانت وفخورة وما كان لها إلا أن تكون كذلك ! فقد كان مستوى الأمسية من أفضل ما يكون وفيها أثبت الشعر العربي - كما تبين لي دائمًا - بأنه على مستوى رائع إذا ما قورن بأي شعر آخر, يكتب في أي مكان على هذا الكوكب الصغير”
“إن تفقد إيمانك بشيء في لحظة ما,فهذا شيء طبيعي,يحدث,لكن المشكلة في أن ترجم أولئك الذين لا يزالوا, بعد,يؤمنون به.”
“أتذكر، حين جاء جمال لخطبتي، حين حدث أبي، وحين ارتبك أمام سؤاله الذي لم يكن مفاجئا، السؤال المتوقع الذي يسأله أهل أي عروس: من وين بتعرف البنت؟!ارتبك الحزين!! قال لي إن السماء سقطت على رأسه، وبعج قليل عرف أنها كانت ممتلئة بالغيوم. هكذا كان يستعيد الحكاية ويضحك: غرقت في ماء لم أر مقله يا آمنة، لا، ليس عرقا، لو كان عرقا لأحسسته يتسلل من تحت ثيابي، لكنه كان يأتي من تحتها ومن فوقها.. قال له: وتحبها أيضًا!وتجرأ الحزين وقال له: وهل على الرجل أن يتزوّج المرأة التي يكرهه؟! - بتتمسخر عليّ؟ّ هكذا صرخ أبي في وجهه. بتتمسخر عليّ؟ ما في عندي بنات للزواج.”
“تسألينني لماذا البكاء؟ ومتى سأبكي إذًا؟ لماذا لا نبكي كلنا؟ كلنا يا ابنتي، مرّة واحدة، من أول "غزَّة¬" حتى آخرها، لماذا لا نبكي؟ هل يجب علينا أن نُزغرد طوال الوقت، لماذا؟ لأن أولادنا شهداء. ولكنهم أولادنا. كلّ يوم، كلّ ساعة، كل لحظة أنتظر أن يدقَّ أحدهم الباب ويأتيني الخبر الذي لا أريد سماعه. كل هذا الخوف عليهم، كل هذا الخوف، وفي النهاية يجب أن أزغرد. أتعرفين لماذا تبكي الأمهات خوفًا على أبنائهن طوال الوقت؟ لأن عليهن أن يزغردنَ مرةً واحدة. واحدة فقط. كي لا يخجلنَ من هذه الزغرودة التي يطالبهنَّ العالم بها. تبكي الواحدة منّا طوال الوت لأنها تعرف أن هنالك لحظة آتية، ستكون فيها مضطرة لأن تخون أحزانها، حين يكون عليها أن تزغرد. ثم هل تعرفين من هو الذي يجبرنا على أن نزغرد فعلًا؟ لا ليس أهلنا وأقاربنا وجيراننا، لا ليسوا هُم، الذي يجبرنا على أن نزغرد في جنازات شهدائنا هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتى لا نجعله يحسَّ لحظة أنه هزمنا، وإن عشنا، سأذكِّرُكِ أننا سنبكي كثيرًا بعد أن نتحرّر!، سنبكي كل أولئك الذين كنا مضطّرين أن نزغرد في جنازاتهم، سنبكي كما نشاء، ونفرح كما نشاء، وليس حسب المواعيد التي يحدّدها هذا الذي يُطلق النار عليهم وعلينا الآن. فنحن لسنا أبطالًا، لا، لقد فكّرت طويلًا في هذا، وقلت لنفسي نحن لسنا أبطالًا، ولكننا مضطّرين أن نكون كذلك.”