“ولكن القارئ لهذه الدراسة الطويلة – أكثر من ستين صفحة – يُفاجأ بأن الباحث بذل جهداً كبيراً في التقاط عشرات النصوص والشواهد والنقولات، وذلك بهدف التدليل على عدة مسائل.. أهمّها: 1- شرعيّة أن تكون الانتخابات – أو الشورى – لجميع الناس لا لفئة خاصة، وأن البرلمان المُنتخب هو الذي يُمثّل "أهل الحلّ والعقد".2- شرعيّة أن تُتخذ القرارات بتصويت الأغلبيّة، وشرعيّة أن يكون قرار الأغلبيّة في البرلمان مُلزِماً للحاكم وليس مُعلِماً فقط.3- شرعيّة مُشاركة المرأة في الانتخابات.4- شرعيّة مبدأ "تداول السُلطة"، بحيث لا يبقى الحاكم في السُلطة مدى الحياة بل لمُدّة مُحددة.5- شرعيّة مبدأ "فصل السُلطات".لذلك، أظن أن الباحث لو تخلّص من حساسية المُصطلح، وقام بتسمية بحثه "شرعيّة آليات النظام الديمقراطي" لكان أكثر دقةً وانضباطاً.”
“المُشكلة لم تكن يوماً في التناقض.. بل هما مساران يُمكن أن يعملا بالتوازي ـ مع حق كل طرف بالتحفّظ على بعض المُمارسات والأقوال التي لا يرى شرعيتها وصوابها ـ.. ما نُريده فقط: أن نحترم حق الآخرين بالاختلاف أولاً دون أن ندخل في حيّز اتهام النوايا والمُزايدة على التديّن.. ثم أن )نُعظِّم( ما عظمته الشريعة.. وأن )نُهوِّن( ما هونت الشريعة من أمره.. وبعد ذلك ليُفتش كل طرف في نصوص الكتاب والسُنّة، ليرى أين موقع )العدل ورفع الظلم( في الشريعة؟! وأين موقع )حرمة الغناء( في الشريعة؟!”
“أياً كانت المعايير أو زاوية النظر.. فبالنسبة لي يبدو الأمر في تمام الوضوح.. أن حصيلة نشر هذه السِّلسلة من المقالات ستكون (خسارة) بالمِعيار الدُنيوي المحض.. لأنه سينتج عنها مزيد من الشتائم، والتشويه، والطعن في النوايا، والتصعيد من رافعي ألوية المعارك الفكرية ضد المُخالفين.. ولكنني أحسبُ أن حصيلتها ستكون ـ بإذن الله ـ (ربحاً) بالمِعيار الأخروي.. فهي كلمةُ حقٍ يجب أن تُقال بمعزلٍ عن النتائج والتّبِعات.. وأعتقد أن الوقوف في وجه التشويه المُستمر للمشروعات التي تهدف إلى الالتزام بالأولويات الشرعيّة، وسيادة القيم والأخلاق، وترسيخ قوانين العدل والحقوق، هو واجب شرعي وأخلاقي يجب ألاّ يدخل في أوحال (المكاسب والخسائر) ومُعادَلات (رِضا الجمهور).. وأسأل الله –عزوجل- أن يُرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه.. وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.بالنسبة لي.. في هذا الجو السِّجالي العاصف، الذي تتصاعد فيه الإيديولوجيا لا المعرفة، وتتعالى فيه الخصومة لا الحقيقة.. بتُّ مُقتنعاً ـ وبعد تجربة متراكمة ـ أنني حتى لو قمتُ ـ وبشكلٍ عشوائي ـ باختيار صفحة من سورة التوبة، ونشرتها بعد أن أضع في مقدمتها (اختيار نواف القديمي)، فسيأتي حينئذٍ من يشتم ويُسيء!.. وسيأتي من يقول: ومن أنت حتى تختار شيئاً من الآيات دون علم!.. وسيأتي من يقول: عليك أولاً بسؤال العلماء قبل أن تنشر شيئاً من القرآن!لذلك أقول.. إن الخِطاب لم يكن في يومٍ من الأيام موجهاً لأولئك المهووسين دوماً بحفلات الردح والتصعيد.. بل هو موجّهٌ للمُنصفين الصادقين ـ من المُخالفين والمُوافقين ـ الذين يهدفون إلى معرفة ما هو ألصق بالشريعة، وأنفع للأمة في دينها ودنياها.. هو خطابٌ لأجيال الشباب الذين ما عاد كثير منهم مهموماً بالاستقطاب وروح التخندق والعِراك، بقدر ما هو مهموم بمعرفة المنطق (الأكثر إقناعاً)، والأقرب إلى دلالات النصوص ومقاصد الشريعة، والأكثر تحقيقاً لمصالح الناس، وإقامة العدل، وسيادة القانون في المُجتمع.”
“رأينا كيف تثار معارك ضروس في الوسط الثقافي من أجل رواية، أو لحلقة من طاش ما طاش، أو لقضية إدارية بسيطة كقرار الدمج، أو لخبر عن هيئة الأمر بالمعروف، أو لمقال كتبه أحد مراهقي الليبرالية في إحدى صحف الدرجة الرابعة.. وفي تلك المعارك رأينا كيف يكون البغي على المخالف، وسوء الخلق، والفجور في الخصومة، لمجرد أن يكون الطرف الآخر ليبراليا أو حتى إسلاميا أكثر انفتاحا من السائد.. ولك أن تنظر إلى مقدار الكفاءة الثقافية الشرعية لمن يتصدون لمشروعات الاحتساب والإنكار في الإعلام، لتعرف أين تكمن المشكلة”
“من يختلط بفئاتٍ من الشباب العشريني وبكثيرٍ من المُبتعثين للدراسة في الخارج، يلمس بوضوح أن ثمة أفكاراً جديدة بدأت تتسرب إلى هؤلاء الشباب، وأن هناك تحولاً في أنماط تفكيرهم، وصار كثير منهم يضيق ذرعاً بالتشديد والانغلاق والعُنف ضد المُخالفين، وقسر الناس على اختيارات فقهية تأخذ بالعزيمة والأحوط والأشدّ، فيما هو يقرأ ويرى في ذات الوقت علماء كباراً يطرحون اختياراتٍ فقهية أكثر تسامحاً وانسجاماً مع بيئاتهم المفتوحة.”
“لنتذكر المقولة السابقة التي تتحدث عن أن الحكم في المجتمع إما أن يكون لله أو للشعب ولنحاول ذكر مرادفات شبيهة من مثل : (السيادة لله أو السيادة للشعب)، القرار لله أو القرار للشعب ، الملك لله أو الملك للشعب ، ليظهر لنا كثافة التضليل المكتنز في مثل هكذا مقارنات ، حين نجد أنه طوال التاريخ الإسلامي لم يكن الملك ولا السيادة ولا القرار إلا للحاكم المتفرد الذي لا مبدل لحكمه لقوله ولا راد لقوله . . فلماذا نوضع اليوم أمام مقارنات جائرة تهدف إلى عزل الأمة عن اتخاذ القرار وترك مصائر الناس بين يدي الحاكم المستبد ؟المقارنة الحقيقية هي بين الحكم للفرد أو الحكم للأمة . .”
“الحضارة هي أن تقيم مجتمعاً قوياً يستطيع أن يقول لا إذا أراد, قوياً باقتصاده,قوياً بعمقه الثقافي والمعرفي في تاريخ الأفكار والأمم والفلسفات, وقدرته على استيعابها ونقدها وتجاوزها والاستفادة مما هو مفيد في ثناياها”