“أن الهندسة، والطب والفلاحة، والصناعة، ومختلف الحرف وأسباب العمران من أركان الإسلام، وأنها تدخل دخولا محتوما فى دائرة الإحسان التى تناولها الحديث الشريف بهذه العبارة الموجزة: " أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".وذلك لأن الإنسان ـ وهو محور النشاط الدينى وموضع التكاليف السماوية ـ لا تستقر له حياة، ولا يستقيم له وجود إلا إذا كفلت له معايشه وتعاونت ظروف البيئة على ضمانها.أى أنه يوجد ويستقر أولا ثم تلاحقه الواجبات بعد ذلك.وهذا الوجود منوط بالكدح سحابة النهار والاستعداد له ـ بالراحة ـ أثناء الليل قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا)وقال تعالى: (وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النهار معاشا).”
“العبارة الواردة فى الحديث الشريف وهى " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ليست وصفا لشخص يصف قدميه للصلاة، أو يلهج لسانه بالذكر فحسب.إنما هى وصف لإنسان يقيم أوامر الله كلها، فى شئون الحياة كافة.ومجال الإحسان رحب الدائرة، حدوده وظيفة الإنسان فى الحياة من المهد إلى اللحد ...”
“إن العراك الباطنى لا ضجيج له، ولا سلاح فيه، ولكن هذا العراك أخطر فى نتائجه من المعارك التى تنتثر فيها الأشلاء، وتبذل فيها الدماء.ذلك، لأن جهاد النفس هو الطريق الحقيقى لبلوغ القمم التى تجعل الإنسان يحتضن المثل العليا، ويبذل دونها النفس والنفيس، وقد جاء فى الأثر أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال عقب العودة من إحدى غزواته: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ".”
“فى الخطاب الموجه للسلطان، هل للفرد فيه نصيب؟ أنا أقول فيه نصيب ـ من وجهة نظرى ـ ليس نصيبا تطبيقيا تنفيذيا.. وقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله.. أنا كفرد، مخاطب فيه أيضا، لكن ما هى حدود الخطاب بالنسبة لى؟ حدود الخطاب بالنسبة للحاكم هى إنفاذ الأحكام، لأن الأمر فى وسعه.. أما أنا، طالما ليس فى وسعى إنفاذ الأحكام، فنصيبى من الخطاب أن أعمل، وأن أجتهد فى إيجاد السلطة الغائبة، ومعاونة الحاكم المسلم ـ إذا كان موجودا ـ فى إنفاذ الأحكام. إذا كان عندنا للقاضى شروطه وصفاته ـ كما هو معروف ـ وللقضية المقضى بها، وللشهود والبينات والقرائن مواصفات أيضا، وهو باب طويل قد لا يصل إليه إلا نماذج معينة من. الناس، فكيف يمكن أن نسلم مثل هذه القضية لناس غير مؤهلين لها من الرّعاع، فتنقلب الحياة الإسلامية إلى لون من شريعة الغاب، والتناقضات، والاضطراب، والفوضى، وما إلى ذلك.. أنا أردت من كلمة 'الخطاب القرآنى للإنسان ' أن لكل إنسان نصيبه من هذا الخطاب.. الحاكم له نصيبه، والفرد له نصيبه”
“ما قيمة صلاة أو صيام لا يعلمان الإنسان نظافة الضمير والجوارح؟ عن ثوبان ـ خادم رسول الله ـ عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "لأعلمن أقواما من أمتى يأتون يوم القيامة بأعمال ـ أمثال جبال تهامة ـ بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا!!قال ثوبان يا رسول الله، صفهم لنا حلهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم.قال: أما هم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها " .”
“إن الاغترار بالعلم رذيلة تسقط قيمة العمل، ولو أن أحدا طالب الله أن يقربه إليه، أو أن يجزل له المثوبة، ناظرا فى ذلك إلى ما بذل من جهد ما استحق عند الله شيئا طائلا.والواجب أن يتقدم الإنسان إلى الله وهو شاعر بتقصيره، موقن بأن حق الله عليه أربى من أن يقوم بذرة منه، وأنه إذا لم يتغمده الله برحمته هلك.هبك بذلت نفسك، ومالك له...أليس هو خالق هذه النفس؟ أليس هو واهب هذا المال…؟ فإذا أدخلك الجنة ـ بعد ـ ألا يكون متفضلا؟ وانظر إلى سلسلة الأعمال التى تؤديها خلال فترة المحيا على هذه الأرض، كم يكتنفها من علل النفس وآفات التقصير؟ إنها لو كانت أعمال غيرك فعرضت عليك أنت ما قبلتها إلا على إغماض طويل وتجاوز خطير!!إن المؤمن يعمل، ولكنه لا يتطاول بعمله أبدا.”
“ إن القوامة للرجل لا تزيد عن أن له بحكم أعبائه الأساسية، وبحكم تفرغه للسعى على أسرته والدفاع عنها ومشاركته فى كل ما يصلحها.. أن تكون له الكلمة الأخيرة ـ بعد المشورة ـ ما لم يخالف بها شرعا أو ينكر بها معروفا أو يجحد بها حقا أو يجنح إلى سفه أو إسراف، من حق الزوجة إذا انحرف أن تراجعه وألا تأخذ برأيه،وأن تحتكم فى اعتراضها عليه بالحق إلى أهلها وأهله أو إلى سلطة المجتمع الذى له وعليه أن يقيم حدود الله وهذا كلام حسن،”