“فإن علم تفسير القرآن من أجلّ العلوم ، وأفضل ما ينفق فيه نتائج الأفكار وقرائح الفهوم ، ولكن لا يتقدم لهذا الخطر الكبير إلا العالم النّحرير ، الذي رسخت أقدامه فى العلوم الظاهرة ، وجالت أفكاره فى معانى القرآن الباهرة ، بعد أن تضلّع من العلم الظاهر ، عربية وتصريفا ولغة وبيانا ، وفقها وحديثا وتاريخا ، يكون أخذ ذلك من أفواه الرجال ، ثم غاص فى علوم التصوف ذوقا وحالا ومقاما ، بصحبة أهل الأذواق من أهل الكمال ، وإلا فسكوته عن هذا الأمر العظيم أسلم ، واشتغاله بما يقدر عليه من علم الشريعة الظاهرة أتم.واعلم أن القرآن العظيم له ظاهر لأهل الظاهر ، وباطن لأهل الباطن ، وتفسير أهل الباطن لا يذوقه إلا أهل الباطن ، لا يفهمه غيرهم ولا يذوقه سواهم ، ولا يصح ذكره إلا بعد تقرير الظاهر ، ثم يشير إلى علم الباطن بعبارة رقيقة وإشارة دقيقة ، فمن لم يبلغ فهمه لذوق تلك الأسرار فليسلّم ، ولا يبادر بالإنكار فإنّ علم الأذواق من وراء طور العقول ، ولا يدرك بتواتر النقول.”
“إن العقيدة- فى المنطق الإسلامى- لا تثبت إلا من نص قطعى الدلالة والثبوت، وهذه المرويات الآحادية يقبلها من يقبلها، ويأباها من يأباها، ويؤولها من يؤولها، فما معنى استحيائها فى هذا العصر وشغل الأذهان بها؟ أهى فتنة للناس؟! من أجل ذلك نريد أن ننظر فى ثقافتنا الإسلامية المعاصرة لنعيدها إلى قواعدها الأولى!. وكتابنا معصوم جملة وتفصيلا، والسنة فى جملتها ثابتة، ضبطها الفقهاء والعلماء الثقات بما ينفى عنها الأوهام، ويجعلها ضميمة إلى القرآن الكريم، لا نند عنه.. ولا تبعد عن هداه.. ولا ريب أن للسنن المتواترة حكم القرآن نفسه..”
“وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78)الإشارة : اعلم أن المنكرين على أهل الخصوصية ثلاث فرق : أهل الرئاسة المتكبرون ، والفقهاء المتجمدون ، والعوام المقلدون ، يصدق عليهم قوله تعالى : وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ إذ لا علم عندهم يميزون به المحق من المبطل ، وإنما هم مقلدون ، فوزرهم على من حرمهم بركة الاعتقاد ، وأدخلهم فى شؤم الانتقاد ، ولقد أحسن «ابن البنا» حيث قال فى شأن أهل الإنكار : واعلم رعاك الله من صديق أنّ الورى حادوا عن التحقيقإذ جهلوا النفوس والقلوب وطلبوا ما لم يكن مطلوباواشتغلوا بعالم الأبدان فالكلّ ناء منهم ودانوأنكروا ما جهلوا وزعموا أن ليس بعد الجسم شىء يعلموكفّروا وزندقوا وبدّعوا إذا دعاهم اللّبيب الأورعكلّ يرى أن ليس فوق فهمه فهم ولا علم وراء علمهمحتجبا عن رؤية المراتب علّ يسمى عالما وطالبهيهات هذا كلّه تقصير يأنفه الحاذق والنّحرير”
“ينبغي للقارئ أن يتواضع لأهل العلم ولا يستعجل بالتخطئة والتصحيح بناء على رأيه الشخصي دون أثارة من علم”
“ارتأى اليوت أن الدين الجديد لن تكون فيه إلا وصية واحدة «محبة الله من أجل الآخر». وهى وصية لا تستلزم دوراً للعبادة ولا علم لاهوت ولا طقوسا للعبادة، ومن ثم فليس من حق المسيحيين الادعاء بملكية الحقيقة المطلقة.”
“التصوف الفلسفى فى تاريخنا العلمى لون من الغزو الثقافى الماكر قُصد به لفتنا عن عقائدنا ومناهجنا وأهدافنا، ويجب أن ينتبه أولو العلم له، وأن يحذروا أمتنا من بقاياه ودسائسه فإن أعداء الإسلام ينشدون من إشاعته خلق أمة لا انتماء لها ولا وجهة، أمة ثرثارة كسول واهية الصلات بكتاب ربها وسنة نبيها، لا تحسن إلا تأويل الآيات والأحاديث وتحريف الكلم عن مواضعه والاسترسال مع الأحلام والخيالات… أما التصوف الإسلامى فشأن آخر، وربما كره البعض هذا العنوان ونحن لا نكترث لاختلاف الأسماء إذا اتفقنا على حقيقة المسمى!أسماه البعض علم القلوب!وأسماه آخرون علم الإحسان بمقاميه من مشاهدة ومراقبة!وأسماه جماعة من علماء النفس والأخلاق : علم البواعث على الأعمال...وآثرت أنا تسميته بالجانب العاطفى من الإسلام!وقد قيل قديما: لا مُشاحة فى الاصطلاح...”