“حاول الشاه أن يحسن من صورته امام الناس وأمام العالم الخارجي عن طريق اقامة هياكل سياسية وهمية توحي بشكل الممارسة الديموقراطية فأنشأ حزبين توأم هما : "مردم" اي الشعب، و"مليون" أي الوطنيون، وهو الذي سمي فيما بعد "إيران نوين" أي ايران الجديدة. ونصّب اثنين من رجالة على راس الحزبين، ولجأ فيما بعد سنة 1975 إلى إلغاء الحزبين واستبدالهما بحزب واحد هو "رستاخيز ملت" أي البعث الشعبي، وأعلن أن من لا ينضم إلى حزبه إما عميل أو خائن وعليه إما يغادر البلاد أو يدخل السجن، .. وهو ما أثار الجماهير ودفعها إلى السخرية المرة من الشاه وحزبه "رستاخيز" فأطلقت في طهران على صحيفة الحزب الذي حملت اسمه كلمة واحدة هي : "رسوا خير" ومعناها "منبع الفضيحة"ـ”
“قد كان مناخ الستينيات في إيران ذروة المواجهة مع قوى الاستعمار وأذنابه وكانت الجماهير معبأة ومشحونة وجاهزة للانفجار بعد أن تتابعت حلقات الثورة في المنطقة فقد انفجر الموقف في سوريا سنة 1949، وتزلزل عرش الشاه بعد تأميم نفط إيران على يد محمد مصدق سنة 1952 ، وقامت ثورة يوليو في مصر سنة 1952 ،وتتابعت بعدها الثورات في العراق واليمن، الشمالي والجنوبي، والجزائر وهو ما ارتبط بظهور منظمة فتح الفلسطينية ، وفي هذا المناخ قد قامت العاصفة ضد الشاه ودوّت العبارات الرافضة للنظام ولكل رموزه وممارساته”
“هناك بعد آخر مهم في هذا الصدد هو أن إيران القومية ليست بحاجة إلى العالم العربي بينما إيران الإسلامية بحاجة حقيقية إليه.فالعالم العربي بالنسبة للأولى سوق أو منافس في انتاج النفط أو محيط استراتيجي - غير أن الصيغة الثانية تتعامل مع العالم العربي - فوق ذلك - بحسبانه معقل الأغلبية السنية، أي قيادة 90% من الأمةالإسلامية، التي يشكل الشيعة فيها 10% فقط، 40% منهم في إيران، والباقي في دول أخرى آسيوية بالدرجة الأولى، حتى في الجانب الشيعي التي تقف فيه إيران الإسلامية فإن أهم مقدساته في العالم العربي.سواء ما كان منها في مكة والمدينة، أو مزاراته في العراق التي سبقت الإشارة إليها. حيث توجد هناك سبعة من أضرحة أئمة الشيعة الإثنى عشر.”
“إن الذين لا يرون في الإسلام إلا قائمة محرمات و ممنوعات في جانب ، ثم لائحة عقوبات و زواجر في جانب آخر، يفعلون بالإسلام تمامًا كما فعل الدب الذي أراد أن يحمي صاحبه فقتله ، و إن كانت النتيجة أفدح . ذلك أن المجني عليه في القصة الشهيرة هو مجرد فرد واحد ، و لكن المجني عليه فيما نحن بصدده هو عقيدة بأكملها !إن هؤلاء يصغرون من شأن الإسلام من حيث لا يشعرون . يحولونه من رسالة هداية للبشر و رحمة للعالمين إلى فرمانات إلهية ، تأمر و تنهى ، و توزع طوابير الناس على درجات جهنم ، حتى أسفل سافلين !”
“ما أن أطلت الخمسينيات حتى ظهرت على الساحة منظمة "فدائيان إسلام" بقيادة أحد الفقهاء الشبان وهو "نواب صفوى" معلنة الكفاح المسلح ضد الشاه وبطانته في صحيفتها الشهيرة "منشور برادري" أو نشرة الاخوة وكتابها الأساسي "بيان فدائيان إسلام" أو دليل الحقائق. في ذلك الكتاب الذي طبع سنة 1950 يقول نواب صفوي صراحة : إيران ببركة الحكومة الخائنة انتشر فيها الفقر والمرض والجهل، وهاهم أبناء الشعب يصرخون ويستغيثون ولكن الحكومة الظالمة ورجالها اللصوص لا يسمعون أصواتهم- أيها المجرمون الخونة إيران دولة إسلامية وأنتم لصوص وغاصبون للحكومة الإسلامية. ولم تكتف المنظمات بالبيانات وإنما قامت بتصفية العديد من رموز النظام جسديا”
“شهدت بداية الستينيات اتجاه الشاه إلى اتباع سياسة تصفية العناصر والتيارات السياسية التي عارضته ووقفت بجوار الدكتور محمد مصدق في مواجهته الشهيرة للشاه وأسرته عام 1952 وتلك كانت المهمة الاساسية التي انيطت بجهاز الشرطة السرية (الساواك) الذي أنشأه الشاه عام 1953 (الكلمة اختصار لعبارة "سازمان اطلاعات وأمنيت كشور" أي منظمة المخابرات وأمن الدولة، ثم توالت الضربات المتلاحقة التي أصابت اليسار الايراني ممثلا بحزب توده المركسي. إذ تم اعتقال اعداد ضخمة من أعضائه قدرتهم مصادر الحزب بحوالي 5000 عضو، بينهم 40 اعدموا، و14 ماتو تحت التعذيب، واكثر من 200 حكم عليهم بالسجن المؤبد”
“و ربما كانت الإيجابية الوحيدة للصراع الذي دار بين الإسلاميين و غيرهم بعد نجاح الثورة ، أنه أسهم بطريق غير مباشر في توحيد الصف الإسلامي و استمرار تماسكه ، و لكن حسم ذلك الصراع لصالح الإسلاميين هيأ الفرصة لظهور ما كان مخفيا أو منسيا بينهم من عناصر التمايز أو التناقض ، و هو أمر ليس مستغربا في تجارب الثورات ، تبدأ بخصومها ، ثم حلفائها ، ثم تدور الدائرة على صناعها ، إلى أن يستقر الأمر لفرد أو لفريق متجانس تماما في الأهداف أو الطموح.”