“يقدر أحد الناس على تناول أقراص من الخبز، وارتداء ألبسة من الخيش، والانزواء بعد ذلك فى مكان خرب أو عامر يعبد الله كما يرى.والبيئة التى يوجد فيها هذا الصنف من الناس ربما لا تتطلب أكثر من رحى للطحن، ومغزل للنسيج، وعدد من الأشغال التافهة هى التى تمثل " فروض الكفاية " فى مجتمع ساذج.لكن الإسلام لا يصلح فى هذه البيئة، ولا تعاونه أدواتها على السير، ولا على مجرد البقاء.لو كان الإسلام رهبانية صوامع ربما أنزوى فى جانب منها واكتفى بأى لون من العيش، ولكنه دين يبغى الاستيلاء على الحياة، وإقامة عوجها ومحاربة طواغيها.”
“والقضايا التى تثار ضد الإسلام لا تتصل بعقائده ولا بعباداته! إن أعداء الإسلام لهم مكر سئ فى استغلال أقوال وأحوال الجاهلين به، لاسيما فى ميدان المرأة. من أجل ذلك أنصح بالضرب على أيدى الجرآء على الفتوى من أدعياء الفقه الذين لا شغل لهم فى هذه الأيام إلا الصياح بوجوب النقاب وتحريم التصوير، والثرثرة بأمور لا وزن لها ولا خير فيها.”
“وما أغرب الناس، إنهم يشتهون الدنيا، وينحنون لملاكها فى ضراعة ووضاعة، وفى الوقت نفسه يحرمونها على علماء الدين؟ ثم يحتقرونهم لفقرهم، ولكل ما يستتبعه الفقر من مسكنة وقلق. وكم يشعر الإنسان أنه بين نارين، إن سكت عن حقه فى الحياة ضاع واستمكن الرعاع من زمامه، وإن طلبه ـ فى بيئة ضنينة به ـ قيل: طلب دنيا يزاحم عليها.. إن أمثالنا من الدعاة إلى الله ينقلون أقدامهم بوجل فى سبيل مزحومة بالأقذاء والإنكار، لا يعين على السلامة فيها إلا الله، والذى لا نسأم دعاءه ورجاءه. وما أنكر من نفسى أنى أحب الدنيا، ولبئست هى إن كانت مهادنة لظالم أو إغضاء عن منكر.أما أن تكون دعما للحق، وغنى عن الأدنياء فنعما هى... إن وجه الرذيلة شائه فى بصرنا، وطعمها مر فى مذاقنا، ونحمد الله إذ أورثنا كرهها. أما طيبات الحياة التى تلهج الألسنة بالثناء، وتبعث الجوارح على الشكر فنعما هى، وما نستحيى من استحلائها والإكثار منها... وربما كان لبعض الناس جلادة على خشونة العيش، واصطبار على كآبة المنظر فى الأهل والمال، لكنى والله أضيق بهذا وأستعيذ بالله منه. ولست أطلب من الله سعة تشغل عنه، بل أطلب سعة تدفع إليه، وكثيرا يحصن من زراية السفهاء، ولعب الكبراء... فإن كان ذلك بابا إلى نقص العلم، أو هوان المنزلة يوم القيامة فنرجو أن يجعل الله بيننا وبينه حجابا غليظا وأمدا بعيدا..الجانب العاطفي من الإسلام”
“والواقع أن المسلم لا يطيق عصيان الله، ولا يرضى به، ولا يبقى عليه إن وقع فيه؟ بل إن ما يعقب المعصية فى نفسه من غضاضة وندامة يجعل عروضها له شبه مصيبة، فهى تجىء غالبا، غفلة عقل، أو كلال عزم أو مباغتة شهوة وهو فى توقيره لله، وحرصه على طاعته يرى ما حدث منه منكرا يجب استئصاله.إنه كالفلاح الذى يزرع الأرض فيرى " الدنيبة " ظهرت فيه، فهو يجتهد فى تنقية حقله قدر الاستطاعة من هذا الدخل الكريه.ولو بقى المسلم طول حياته ينقى عمله من هذه الأخطاء التى تهاجمه، أو من هذه الخطايا الذى يقع فيها، ما خلعه ذلك من ربقة الإسلام، ولا حرمه من غفران الله.”
“كل دعوة تحبب الفقر إلى الناس ٬ أو ترضيهم بالدون من المعيشة ٬ أو تقنعهم بالهون فى الحياة ٬ أو تصبرهم على قبول البخس ٬والرضا بالدنية ٬ فهى دعوة فاجرة ٬ يراد بهاالتمكين للظلم الاجتماعى ٬ وإرهاق الجماهيرالكادحة فى خدمة فرد أو أفراد. وهى قبل ذلك كله كذب على الإسلام ٬ وافتراء على الله.”
“إن رسالة الإنسان فى هذه الحياة تتطلب مزيدا من الدرس والتمحيص. ووظيفته العتيدة فى ذلكم العالم الرحب يجب أن تحدد وتبرز حتى يؤديها ببصر ووفاء، وقوة ومضاء. إن بعض الناس جهل الحكمة العليا من وجوده، فعاش عاطلا فى زحام الحياة، وكان ينبغى أن يعمل ويكافح. أو عاش شاردا عن الجادة تائها عن الهدف، وكان ينبغى أن يشق طريقه على هدى مستقيم. والنظرة الأولى فى خلق آدم وبنيه كما ذكرها القرآن الكريم توضح كل شىء فى هذه الرسالة. لقد بدأ هذا الخلق من تراب الأرض وحدها، والبشر جميعا فى هذه المرحلة من وجودهم ليس لهم فضل يمتازون به، أو يعلى مكانتهم على غيرهم من الكائنات. كم تساوى حفنة من التراب؟ لا شىء.”
“وليس من العبادة انتظار نجدة من السماء لتغيير هذه الأحوال.إننا ـ من الناحية العامة ـ بشر كسائر البشر.لنا ما للناس من أسماع وأبصار وأفئدة.فلماذا تتعطل حواسنا وأفكارنا، وتنطلق حواس الناس وأفكارهم فى كل مجال؟ لماذا تمس أصابعهم الأشياء فتجود، وتمسها أصابعنا فتضطرب؟لقد كان الناس عالة على آبائنا فى النواحى الأدبية والمادية جميعا فما الذى عرانا حتى أصبحنا لا نحسن استخراج المعادن من أرضنا، ولا بناء السدود والجسور على أنهارنا، ولا تشكيل الآلات وتركيبها فى مصانعنا،.ولا تطويع أدوات الحرب والسلم لحاجتنا...؟الحق أن القدرة على الإحسان أعوزتنا، وأن أسباب هذه القدرة فى أيدينا لو أردنا.إن الله أحيا المسلمين على هذه الأرض كما أحيا غيرهم من الأمم، وإذا كان قد اختص المسلمين بوحى سماوى جليل القدر، بعيد الأثر، فهو لم يختصهم بمعرفة أرضية ترجح كفتهم على سواهم.وعليهم أن يعانوا فى ذلك ما يعانى غيرهم، وأن ينتفعوا بتجاربه.وكل تفريط فى هذا الميدان معناه أولا انخفاض مستواهم الفكرى والمادى، ومعناه آخرا قصور الوسائل التى تنجح رسالتهم، وتحقق غايتهم.وعندما ينضم إلى هذا العجز، عوج فى فهم الدين نفسه، واسترخاء في إجابة عزائمه فهنا الطامة.إن للإحسان جزاءين، أحدهما آجل فى الدار الآخرة، ولا كلام لنا فيه الآن، والآخر عاجل تلقاه الأمم فى حاضر أمرها وتبلوه عيانا.”