“الشرط الإنساني هو الأساس المنطقي للانتقال من لحظة إلي أخري في تركيب ظاهرة الوحي( حتي لا يصار إلي رد هذا الانتقال إلي تغيرات تطرأ علي الذات الإلهية كمصدر للوحي), فإن تنزيل الوحي داخل لغة ما( واللغة ليست محض وسيط اتصال محايد, بل نظام تفكير كامن خلف الألفاظ والعلاقات التي تقوم بينها), إنما ينطوي علي تحدد الوحي بهذا النظام الكامن. ومن جهة أخري, فإن كون الوحي يكون حواراً مع واقع المخاطبين به, إنما يكشف عن تحدده بما يمثل تاريخهم الحي. وبالطبع فإن ذلك يعني أن الوحي لا يفرض نفسه كبنية مغلقة ومطلقة تعلو علي البشر( تفكيراً وتاريخاً), بل كتركيب يقوم علي الحوار المفتوح مع تاريخهم ونظام تفكيرهم. وهكذا, فإن الوحي الذي يتخفي الكثيرون وراءه من أجل تثبيت رؤاهم الخاصة كمطلقات لا تقبل التجاوز, يبين- هو نفسه- عن روح تخاصم الأطلقة وتأباها. وللمفارقة, فإن ذلك يعني- بوضوح وصراحة- أن الوحي ليس هو الأصل المنتج للأطلقة( كآلية تفكير تسود فضاء التفكير العربي من دون تمييز بين تراثي وحداثي), بقدر ما هو أحد أكبر ضحاياها”

علي مبروك

علي مبروك - “الشرط الإنساني هو الأساس المنطقي للانتقال...” 1

Similar quotes

“إن الأطلقة( كآلية تفكير تسود فضاء التفكير العربي من دون تمييز بين تراثي وحداثي)- وليس سواها- هي ما يحيل تجارب البشر من تاريخ حي إلي نص أو أصل جامد يقف خارجه; علي النحو الذي يكون معه أشبه بالشاهد المصمت المعلق علي قبر صاحبه, والذي لا يعرف الخلف اللاحق إلا التعبد في ظلاله. وتلك هي جوهر الممارسة السلفية; علي أن يكون معلوما أن هذه الممارسة لا تقف عند حدود من يقال أنهم سلفيو هذا الزمان, بل تتجاوزهم إلي من يقال أنهم حداثيوه أيضا. و سواء مورست هذه الأطلقة, تحت يافطة الدين أو العلمانية, فإنها تمثل خطراً داهماً علي الدولة.”

علي مبروك
Read more

“يتبدي الوحي، إذن، لا بوصفه من قبيل المعرفة المعطاة المفروضة على الوعي كسلطة لا سبيل أمامه إلا لمحض الإذعان والخضوع لها، بقدر ما يمثل نوعاً من الاستجابة الخلاقة المطلوبة لوضع إنساني مأزوم لا يقدر الوعي؛ الذي هو بنية تطورية في جوهرها، على التعاطي معه في مرحلة دنيا من مراحل تطوره. وهكذا فإن الوحي يتبلور كسند ومعين للوعي، ونقطة ارتكاز يستند إليها في سعيه إلى تجاوز أزمة واقعه، ولا يتبلور أبداً كضد ونقيض يفرض نفسه كسلطة متعالية لا يملك الوعي إلا محض التبعية لها.”

علي مبروك
Read more

“إذا كان الوضع الذي ساد في عالم الإسلام لترتيب العلاقة بين العقل والنقل; وأعني بالكيفية التي ظل معها العقل تابعا لسلطة النقل علي نحو شبه كامل, هو ما يؤسس لهذا التصور الغالب عن قصور العقل واحتياجه, فإن أصل هذا الوضع لا يرتد- علي عكس ما يتبادر سريعا للذهن- إلي الإسلام نفسه, بل إنه يجد ما يؤسسه كاملا في قلب الثقافة السابقة عليه, والتي يبدو- وللمفارقة- أن الإسلام قد قصد إلي زحزحة وإزاحة نظامها الكلي, علي الرغم من إدماجه لبعض عناصرها الجزئية في صميم بنائه. فإنه إذا كان التحليل يكشف عن أن من قاموا علي صياغة التيار الغالب في ثقافة الإسلام( الذين يتناسلون في سلالة ممتدة من علماء الأصول الكبار من مثل الشافعي وابن حنبل والأشعري والباقلاني والجويني والغزالي وابن تيمية وغيرهم) قد كرسوا تبعية- تتفاوت حدودها- من العقل للنقل, فإنه يبدو- وللغرابة- أن الترتيب الذي كرسه هؤلاء المؤسسون الكبار للعلاقة بين العقل والنقل, يمثل انحرافا عن ترتيب العلاقة بينهما الذي ينبني عليه فعل الوحي ذاته; وهو الفعل المؤسس للإسلام كدين.”

علي مبروك
Read more

“تدرك السياسة, وخصوصاً حين تكون قامعة مستبدة، أن العقل المنفتح غير المقيد هو أخطر ما يتهددها؛ وذلك من حيث يؤشر علي أن نقيضها من الحكم الرشيد هو المؤدي- وليس سواه- إلي تحقيق صالح المجموع، ومن هنا ما تسعي إليه، علي الدوام، من إزاحته وإبعاده.وإذ تدرك استحالة إنجاز هذا الإنجاز بما تمتلك من وسائل الترويع والبطش، فإنها تتوسل بالدين والشرع لتضعهما في مواجهة معه، وللغرابة، فإن ذلك لا ينتهي إلي إسكات صوت العقل فحسب، بل إلي تهديد منظومتي الدين والشرع علي نحو كامل.”

علي مبروك
Read more

“فالرسالة التي تنزلت علي النبي و هو بغار حراء من ربه بواسطة أمين الوحي جبريل , بعثت به إلي مكة ليعمل و ليغير البشر و التاريخ.و لم تدعه تلك الرسالة متعلقا بالحالة التي بدأ تلقيه لها و هو عليها, و لا هي علمته أن يتمني تكرارها , و يسعي إلي تكرارها هي بذاتها. و لا أن يدعو أصحابه إلي الرغبة فيها لأنفسهم. علي العكس من كل هذا, أمرته تلك الرسالة بوضوح بالغ , بأن يسعي إلي إعادة تشكيل عالم الزمان و المكان الواقعي علي نحو يجعله محاكيا للنموذج الإلهي .فلا معني لاستحضار معية الله و حبه, و الذوبان في مشيئته, و الحياة فيه, مالم يؤدي ذلك إلي الارتقاء بهذا العالم الدنيوي, و بهذا التاريخ,و بهذه المادة, بملئهم بالقيمة ,بجعلهم محاكين للإرادة الإلهية”

إسماعيل الفاروقي
Read more