“في كل شبر من هذه الحارة تجد دليلا على وجود الفتوات، ولكنك لن تجد دليلا واحدا على وجود أناس مثل جبل أو رفاعة أو قاسم.”
“وتساءل كيف يمكن التكفير عن هذه الجريمة؟ إن مآثر (جبل) و(رفاعة) و(قاسم) مجتمعة لا تكفي. القضاء على الفتوات وإنقاذ الحارة من شرورهم لا يكفي. تعريض النفس لكل مهلكة لا يكفي. تعليم كل فرد السحر وفنونه وفوائده لا يكفي. شيء واحد يكفي، هو أن يَبلغ من السحر الدرجة التي تمكنه من إعادة الحياة إلى الجبلاوي! الجبلاوي الذي قَتْلُه أسهل من رؤيته.”
“ولستُ أول من اختار المتاعب في حارتنا، كان بوسع (جبل) أن يبقى في وظيفته عند الناظر، وكان بوسع (رفاعة) أن يصير نجار الحارة الأول، وكان في وسع (قاسم) أن يهنأ بـ(قمر) وأملاكها وأن يعيش عيشة الأعيان، ولكنهم اختاروا الطريق الآخر.”
“وإن يكن كل وجود الى زوال فالحزن لن يشذ عن هذه القاعده”
“كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم أو سوء معاملة، أشار إلى البيت الكبير على رأس الحارة من ناحيتها المتصلة بالصحراء، وقال في حسرة: هذا بيت جدّنا، جميعنا من صلبه، ونحن مستحقو أوقافه، فلماذا نجوع؟ وكيف نُضام؟”
“وتبادَل الناس النظرات كأنهم في حلم، فواصل (قاسم) كلامه قائلا:- لقد ذهب الناظر إلى غير رجعة، واختفى الفتوات، لن يوجد في حارتنا بعد اليوم فتوة، لن تؤدوا إتاوة لجبار، أو تخضعوا لعربيد متوحش، فتمضي حياتكم في سلام ورحمة ومحبة.وقلَّب عينيه في الوجوه المستبشرة وقال:- وبيدكم أنتم ألا يعود الحال كما كان. راقبوا ناظركم، فإذا خان اعزلوه، وإذا نزع أحدكم إلى القوة اضربوه، وإذا ادَّعى فرد أو حي سيادة أدِّبوه. بهذا وحده تضمنون ألا ينقلب الحال إلى ما كان، وربنا معكم.”
“وحتم عاشور على الحرافيش أمرين. أن يدربوا أبناءهم على الفتونة حتى لا تهن قوتهم يوما فيتسلط عليهم وغد أو مغامر ، وأن يتعيش كل منهم من حرفة أو عمل يقيمه لهم من الإتاوات.”